للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لضَعْفِها؛ لأن هذا التَّعْليلَ معناه أنها لا تَحمِلُ رِزقها لأنها ضَعِيفَةٌ، إما ضَعِيفَةٌ في الإرَادَةِ أو ضَعِيفَةٌ في البَدَنِ، فليس هذا مَعْنَى الآية، بل معناها: لا تَسْتَطِيعُ أن تَكْتَسِبَ.

وكتابة الرِّزْقِ والأجلِ ليست خاصَّةً بالآدَمِيِّ بل الدَّوابُّ وغيرها داخلةٌ في هذا التَّقديرِ، لكن النُّصوصَ تَكاثَرَتْ في الآدَمِيِّ؛ لأنه هو محِلُّ الخطابِ والتَّكلِيفِ حتى يَسْتَعِدَّ، وإلا فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقولُ في القُرآنِ: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: ٨]، فقوله: [كُلُّ شَيءٍ] عامٌّ، فكلُّ شيءٍ مكتوبٌ أجَلُهُ وجميعُ حالاتِهِ مُقَدَّرَةٌ، قال اللَّه تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: ١٤]، فما دَامَ اللَّهُ خَلَقَهُ فهو عالمٌ بِهِ جَلَّ وَعَلَا في كُلِّ أحْوالِهِ، وكلُّ أحْوالِهِ مُقَدَّرَةٌ، فما من شيء إلا عَلِمَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا وقَدَّرَهُ حتى القَطرةُ من المطرِ مكتوبةٌ ومُقَدَّرَةٌ، مع أنها ليست ذاتَ إرادَةٍ.

ثم إن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقولُ: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: ٣٨]، فقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}، وهذا يَدُلُّ على أن اللَّه عالمٌ بِهِ ومُقَدِّرُهُ، ثم قال: {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} يعني: كلَّ شيءٍ له حَياةٌ سيُبْعَثُ يومَ القِيامَةِ، وقُدْرَةُ اللَّه عظيمةٌ لا يَتَصَوَّرَهَا الإنسانُ، ولهذا قال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: ١١٠].

وكيف يقال: إن اللَّه هو الذي خَلَقَ هذا الشيءَ وقدَّرَه فناءً ووجُودًا، ثم نقول: ما عِلَمَه، قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: ٧٠]؟ فلا تسْتَعْظِمْ هذا ولا يُبْهِرُكَ؛ لأن الأمر على اللَّه جَلَّ وَعَلَا يَسِيرٌ، وقدرةُ اللَّه جَلَّ وَعَلَا ليس لها منْتَهَى وليس لها حَدٌّ.

فالمهِمُّ: كلُّ شيءٍ مكتوبٌ ومقَدَّرٌ، واللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعْلَمُه، حتى إن أحدَ

<<  <   >  >>