للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إيجادٌ على تَقْديرٍ مُعَيَّنٍ، أي: أنه يكون مَسْبُوقًا بتقديرٍ، ولذلك لا يكون إلا فيما فيه إتقانٌ وجودةٌ.

قوله عَزَّ وَجَلَّ: {السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}: والسمواتُ تُجْمَعُ دائمًا في القرآن، والأرضُ لا تأتي إلا مُفْرَدَةً، ولكنَّ الثابتَ أن الأَرَضِين سبْعٌ كما أن السموات سبْعٌ.

قوله: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ} بمعنى: ذَلَّلَ الشَّمْسَ وجَعلهَا مُذَلَّلَة لمصالحِ العِبادِ تَسيرُ بهذا النِّظامِ الذي لا يختَلِفُ ولا يتَغَيَّرُ لا تَقَدُّمًا ولا تَأَخُّرًا, ولا عُلُوًّا ولا نُزُولًا، ولو تَدَبَرْت هذه الشمسَ لرَأَيْتَهَا على نظامٍ بديعٍ لا يَتَغَيَّرُ على عِظَمِهَا وكِبَرها.

ثم إن فيها من آيات اللَّه الكثيرةِ: انْظُرْ إلى حَرارَتِها في أيام الصيفِ، وهذه الحرارةُ العظيمةُ ما هي إلَّا نفَسٌ بسيطٌ مِنَ نَارِ جَهَنَّمَ، كما قال النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "اشْتكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِى بَعْضًا، فَأَذِنَ لهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الصَّيْفِ ونَفَسٍ في الشِّتَاءِ" (١)، هذه الحرارة العَظِيمَةُ مع أن المسافَةَ بَينَنَا وبينها بَعِيدَةٌ جدًّا، ومع ذلك يقولون: لو قَرُبَ منها أَقْوَى حَدِيدٍ وأمْنَعَ حديدٍ لصارَ هَباءً قبلَ أن يَصِلَ إليها مِنْ شِدَّةِ الحرَارةِ، وهذا أمرٌ مَعْلُومٌ؛ لأنك لو تُوقَدُ نارًا عَظِمية مِنْ أعظمِ نِيرانِ الدُّنَيا فلا تَجِدُ هذه الحرارةَ العَظِيمَةَ من هذه المسافَةِ البعيدة.

ثم إن هذه الشمسَ كلُّ يومٍ لها مَطْلَعٌ، وكل يوم لها مَغْرِبٌ؛ وذلك لأن اللَّه سَخَّرَها, ولولا ذَلِكَ ما اختلَفَتْ مشَارِقُ الشتاءِ ومشَارِقِ الصَّيْفِ.

الحاصلُ: أن الشَّمسَ مخلوقٌ عَظِيمٌ وأنها مُذَلَّلَةٌ لمصالحِنَا بها تَنْضُج الثمارُ، وبها


(١) أخرجه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب الإبراد بالظهر في شدة الحر، رقم (٥١٢)؛ ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة. . .، رقم (٦١٧) عن أبي هريرة.

<<  <   >  >>