للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تُعْلَمُ السُّنونُ، ولو قَرُبَتْ أو بَعُدَتْ تَغَيَّرَ الجوُّ بلا شكٍّ، مع أنها تأتي يومَ القيامَةِ يكون بينها وبينَ الناسِ قَدْرَ مِيلٍ (١)، واللَّهُ على كُل شيءٍ قَدِيرٌ، وأحوالُ الآخِرَةِ لا تُقاسُ بأحوالِ الدُّنْيَا.

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْقَمَرَ}: القَمَرُ معروف، وإنما ذَكَر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هنا الشَّمْسَ والقَمْرَ لما فيهما مِنَ المصَالِحِ الظاهرَةِ؛ لأن النُّجومَ والكواكبَ ليس فيها مصالِحُ ظاهِرَةٌ لنا، وإلا فقدْ سَخَّرَ اللَّهُ الشمسُ والقمر والنجوم، فكُلُّهَا مُسَخَّرَةٌ؛ لكنَّ المصالحَ في الشمسِ والقَمَرِ أظهرَ وأبَيْنَ.

وفي قوله تعالى: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} دليل على أنهما هُمَا اللذانِ يَجْرِيانِ حولَ الأرض، خِلافًا لمن قال: إنهما لا يَسِيرَانِ حولَ الأرض، وإنَّ اختلافَ الليلِ والنهار بسببِ دَورانِ الأرْضِ نَفْسِها.

ولا شكَّ أن الذي لا يعْتَقِدُ أنهما يَدُورانِ حولَ الأرضِ أنه على خَطَرٍ عظيم، ربما يَصِلُ به ذلك إلى الكُفْرِ؛ لأن الذي نُؤْمِنُ به ونعْتَقِدُهُ ما أخبرنا اللَّه عنه من أنَّ الشمسَ هي التي تَدُورُ حولَ الأرضِ، وكذلك القَمَرُ قال تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: ١٧]، فأضافَ اللَّه هذه الأفعالَ الأرْبَعَةَ إلى الشمسِ: (طَلعت، تَزَاور، غَرَبت، تَقْرِضهم).


(١) أخرجه أحمد (٤/ ١٥٧) (١٧٤٧٥)؛ والحاكم (٤/ ٦١٥) (٨٧٠٤) عن عقبة بن عامر، ولفظ أحمد: "تَدْنُو الشَّمْسُ مِنَ الأَرْضِ، فَيَعْرَقُ النَّاسُ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَبْلُغُ عَرَقُهُ عَقِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْعَجُزَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الِخاصِرَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ مَنْكِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ عُنُقَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ وَسْطَ فِيهِ، وَأشَارَ بِيَدِهِ فَأْلجَمَهَا فَاهُ، -رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُشِيرُ هَكَذَا-، وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَطِّيهِ عَرَقُهُ"، وضرب بيده إشارة.

<<  <   >  >>