للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو كان الأمرُ كما يقولُ هؤلاءِ الخرَّاصُونَ لكانت الأرضُ هي التي تَزَاورُ وهي التي تَطْلُعُ على الشَّمْسِ، وهي التي تَغْرُب عن الشمسِ، فَهُمْ ليس عندهم إلا أمورٌ ظَنِّيَّةٌ فقط، والقرآنُ دَلالَتُهُ ظاهرَةٌ على أن الشمسَ تَدُورُ حولَ الأرضِ، وكذلك القَمْرُ، والنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لما غَرَبت الشمسُ قال لأبي ذَرٍّ: "أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ" (١)، ولم يقل: أتَدْرِي أينَ نَذْهَبُ عن الشمسِ، بل الشمسُ هي التي تَذْهَبُ وهي التي تَأْتِي، وهي التي تستأذنُ وهي التي يُؤْذَنُ لها أو تُمْنَعُ.

ومن العَجِيبِ أن هذا القولَ المخالِفَ لظاهِرِ القُرآنِ قد سَرَى إلى أناس لا نَشُكُّ في دِيانَتِهِمْ، لكن غرَّهُم السَّرابُ فانْخَدَعُوا، والواجِبُ علينا في هذه الأمورِ أن نَمْشِيَ على ظاهِرِ القُرآنِ حتَّى يَتبَيَّنَ لنا ما يكونُ مخالِفًا لهذا الظاهِرِ، أما ما دَلَّ عليه القرآنُ دلالَةً يَقينِيَّةً فإنه لا يُمْكِنُ لشيءٍ أن يخالِفَهُ، فدَلالَةُ القرآنِ إما ظاهِرَةٌ وإما صَرِيحةٌ، فالصَّريحةُ قَطْعِيَّةُ الدِّلالَةِ، ولا يمكن لشيءٍ أن يخالِفَهَا، والظاهرةُ ظنِّيَةُ الدِّلَالَةِ فنبقى على الظاهرِ حتَّى يَتبَيَّنَ لنا بأمرٍ قَطعِيٍّ خلافُهُ، وحينئذٍ ما دام ظاهرًا فإنه يُمْكِنُ أن يُؤَوَّلَ.

فالحاصلُ: أن عِندنَا الآن ثلاثةُ مسائلَ:

الأُولَى: ثبوتُ الشمسِ والقَمَرِ، يعني: وُقوفُهُما، فقائلُ هذا مُكَذِّبٌ للقرآنِ.

والثانية: كونُ الليلِ والنَّهارِ بسبب دَورانِ الأرضِ أو بسببِ دَوَرانِ الشمسِ والقمر، نقول: هذا خلافُ الظاهِرِ، فنكَذِّبُهُم في قولهم: إن تَعَاقُبَ الليلِ والنَّهارِ بسببِ دَورانِ الأرضِ حتى يأْتُوا بدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ واضحٍ مثل الشمسِ يكون حُجَّةً لنا


(١) أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر بحسبان، رقم (٣٠٢٧)؛ ومسلم: كتاب الإيمان, باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان, رقم (١٥٩) عن أبي ذر.

<<  <   >  >>