للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في تأويلِ ظاهِرِ القُرآنِ، وإلا فلا نَقْبَلُ قولَهم ولو اجتمَعُوا جميعًا؛ لأننا نعْرِفُ أن أقوالهم هذه تَخَرُّصَاتٍ، حتى إن الآخِرَ منهم يَنْقُلُ عبارةَ الأَوَّلِ بِنَصِّهَا، مما يدل على أن المتَأَخِّرِينَ ببغاوات كلما نطَقَ لهم نَطَقُوا بما سَمِعُوا.

الثالثة: دَورانُ الأرضِ حولَ نَفسِهَا، هذا لا يوجَدُ في القرآنِ دليلٌ -لا ظاهرٌ ولا صَريحٌ- يدُلُّ على أن الأرضَ تدورُ أو لا تَدُورُ، لكن قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [لقمان: ١٠]، قد يقول قائل: إن قوله: (تَميدَ) يدل على أنه هناك حَركة، ووُضِعَتْ هذه الجبالُ لاتِّزَانِ هذه الحركةِ؛ لأن نَفْي الأَخَصِّ لا يَدُلُّ على نَفْي الأعَمِّ، ومع ذلك نقول: ما لنا ولمثل هذا البحث، لو أن هذا مِنَ الأمور التي يجبُ علينا اعتقادها أو اعتقادُ نَفْيهَا لكان قد بُيِّنَ في القرآنِ غايَةَ البيانِ؛ لأن اللَّه تعالى يقولُ: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: ٨٩].

ولو قالَ قائلٌ: لماذا نُشْغَلُ بهذه المسألةِ؟

فالجواب: إذا ابتُلي الإنسانُ فلا بُدَّ أن يَنْزِلَ إلى الميدانِ.

ومثلُ هذا طُرقُ أهلِ الكلامِ في إثباتِ العقيدةِ فهي ليست على طريقةِ السَّلفِ، لكنَّ السلفَ لم يتْرُكوهُمْ وشأنهم، بل خاضُوا معهم، وقبلَ أرْبعينَ سنةً كانَ الناسُ على عقائدهم الفطْرِيَّةُ أن الشَّمسَ تطْلُعُ وتَغِيبُ والقَمَرُ يطْلُعُ ويَغِيبُ، ولم يكن يَطْرَأْ ببالهِمْ إطْلاقًا هذه الأُمورَ المحْدَثَة.

وقوله: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} تَسْخِيرُ القَمرِ أيضًا لمنَافِعِ العبادِ ومصالحِهِمْ، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: ٣٩]، بيَّن اللَّهُ الحكمةَ مِنْ ذلك في قوله عزَّ وَجَلَّ: {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: ٥]،

<<  <   >  >>