وبين الفعلِ اسم وهو (الواو)، وحرفٌ وهو (النون) أي: نُونُ المضارِعِ، وحُذِفَتْ نونُ المضارِعِ لتوالِي الأمثالِ، والواو حُذِفَتْ لالتقاءِ السَّاكنين؛ لأنه لما حُذِفَتِ النُّونُ الأُولَى لتَوالِي الأمثالِ والنُّونُ الثانِيَةُ مشَدَّدَةٌ، والحرفُ المشَدَّدُ أوله ساكن فيلتقي مِنْ ساكِنٍ، وهو الواو فتُحْذَفُ الواو، قال ابن مالك رَحِمَهُ اللَّهُ في الكافية:
لفظ الجلالة {اللَّهُ} إعرابه: خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ تقْدِيرُهُ: (هو اللَّه)، فالكفار يُقِرُّونَ بأن اللَّه هو الذي خلقَ هذه الأشياء، ويعْتَرِفُونَ أن هذه الأشياءَ لا تَصْنَعُها الآلهةُ لا خَلْقًا ولا تَدْبِيرًا، والآية جمعتْ بين الإيجادِ والتَّدْبِيرِ في قوله -سبحانه-: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} ولم يقل: خَلَقَ الشمس والقمر.
والحاصل: أنهم مُقِرُّونَ بأن خالقَ السمواتِ والأرض ومُسَخِّرُ الشمس والقمر هو اللَّه تعالى دونَ أصنَامِهِمْ، وهم لما أقَرُّوا هذا الإقرارَ أقامُوا الحُجَّةَ على أنفسهم؛ لأن مَنْ أقرَّ بالرُّبُوبِيَّةِ لَزِمَهُ أن يُقِرَّ بالألوهية، ومَنْ أقَرَّ بالألوهية فقد أقرَّ بالرُّبُوبِيَّةِ، فهما متلازِمَانِ، والإقرارُ بالرُّبوبِيَةِ أسبقُ لأن الإنسان لا يَعْبُد إلا ربًّا يعلَمُ أسماءَه وصِفَاتِه وأفْعَالَهُ.
قوله:{فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}(أَنَّى): اسمُ استِفْهامٍ الغَرضُ منه التَّوبِيخُ، يعني: بعد أن أَقَرُّوا بهذا كيف يُصْرَفُونَ؟ وسمَّي الصَّرْفُ إفْكًا لأنه صَرفٌ للشيءِ عن حَقِيقَتِهِ كما يُسَمَّى صَرْفُ الكلامِ عن الواقع إفْكًا، كما لو قال لكَ رجلٌ:(قَدِمَ زَيدٌ). وزيدٌ لم يَقْدم، هذا يُسَمَّى إفْكًا؛ ولهذا قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}: أنَّى يُصْرَفُونَ عن تَوْحِيدِهِ بعدَ إقْرارِهِمْ بِذَلكَ].