وهذا البسطُ تابع لعِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ، ولهذا قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ومنه البَسْطُ والتَّضْيِيقُ، فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يبسطُ أو يُضَيِّقُ إلا عن عَلْمٍ، ثم هذا العلم تَتْبَعُه الحكمة، فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُغْنِي مَنْ يُصْلِحُهُ الغِنْى ويُفْقِرُ مَنْ يُصْلِحُهُ الفَقْرُ.
ولهذا جاء في الحديثِ:"إِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَوْ أَغْنيتُهُ لَأَفْسَدَهُ الْغِنَى، وإِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَوْ أَفْقَرْتُهُ لأَفْسَدَهُ الْفَقْرُ"(١)، وإذا مَنَّ اللَّه على العَبْدِ وتَفَضَّلَ عليه وجَعَلَ رِزْقَهُ تابِعًا لمصلحَتِهِ حصَلَ بذلك خيرٌ كَثِيرٌ.
قوله:{إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}: مما يَفْعَلُهُ اللَّه جَلَّ وَعَلَا ومما يَفْعَلُهُ عبادُهُ، فإنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يَخْفَى عَلَيْه شيءٌ مِنْ ذلكَ.
قال بعضُ أهلِ العلمِ من أهلِ الأُصولِ: ما مَنْ عامٍّ إلا خُصَّ، إلا قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بكُلِّ شيءٍ عليمٍ لا يُسْتَثْنَى من ذلك شيءٌ، لا الواجبُ ولا الجائزُ ولا المستحيل، حتى المستحِيلُ يعْلَمُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قال هؤلاء: أما غَيْرُهُ مِنَ العُموماتِ فإنه مُخَصَّصٌ؛ بمَعْنَى أنه يُسْتَثْنَى منه شيء، إما بدَلالَةِ العَقْلِ أو بِدَلالةِ الشّرْعِ، لكن هذا القولَ غيرُ صحيحٍ، والصوابُ أن الأصلَ في العُموماتِ بقاؤهَا على العُمومِ، نعم إن أرَادُوا التَصَوُّرَ والتَّقْدِيرُ فهذا ممكن، أما إن أرَادُوا الواقعَ فَلا.
(١) أخرجه أبو نعيم في الحيلة (٨/ ٣١٩) عن أنس بلفظ: "وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الفقر، وإن بسطت له أفسده ذلك".