وقوله:{اللَّهُ} لفظ الجلالَةِ خَبَر لمبتدأ محذوفٍ تقْديرُهُ: هو اللَّه.
قوله:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}، في هذه الآيةِ قالَ:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}، وتَقَدَمَّ أنه قال:{فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} بعدَ قولِهِ: {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}، وذلك لظُهورِ دَلالَةِ الخلْقِ والتَّدْبيرِ على الرُّبوبِيَّةِ المستلزِمِ للإقْرارِ بالألوهِيَّةِ، وهذا فيه تَخْلِيَةٌ.
وأما قوله هنا:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} فهذا فِيهِ التَّحْلِيّةُ، ومن المعلومِ أن التَّخْلِيَةَ قبلَ التَّحْلِيَةِ، ففِيهِ إثباتُ الكمالِ للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأنه يَسْتَحِقُ الثَناءُ، ولهذا قال:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} يعني: الحمدُ للَّهِ على قِيامِ البَيِّنَةِ عليكُم وظهورِ الحُجَّةِ ووُضُوحِهَا.
وأما قولُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} فكَيْفَ يُشْرِكُونَ بِهِ]: فهذا أتَى بِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ على حدِّ قولِهِ في الآيَةِ الأُولَى: {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}، ولكن عِنْدِي أن الآية الثانِيَةَ فيها إقامَةُ الحُجَّةِ على أمرٍ آخَرَ هم يُنْكِرُونَهُ وهو البَعْثُ، وحقيقةُ الأمرِ أن مُنْكِرَ البَعْثِ سيُشْرِكُ باللَّه وسيَعْمَلُ ما شاءَ؛ لأنه مُنكرٌ للبعثِ يَعْتَقِدُ أن لا جزاءَ ولا حِسابَ، ومن اعتقدَ هذا الاعتقادَ لا يَعْمَلُ، ولهذا تَرَوْنَ أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يجْمَعُ دائمًا في القرآن بينَ الإيمان به وباليومِ الآخِرِ؛ لأن الإيمانَ باليومِ الآخِرِ هو الباعثُ للإنسانِ على العملِ؛ لأن من لا يعْتَقِدُ أن هناك جزاءً كيفَ يَعْمَلُ، فالَّذِي يَظْهَرُ -واللَّه أعلم- أن الآية الثانية سِيقَتْ لإلْزامِهِمْ بالإقرارِ بالبَعْثِ.
وقوله:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}: الحمدُ هُو: الثَّناءُ بالجميلِ الاختِيارِي، هكذا يُعرِّفُه الأكثرونَ، وهذا غيرُ صحيحٍ، فإن الثَّناءَ غيرُ الحمدِ، ودليلُ ذلك ما وردَ في الحديثِ القُدُسِيِّ من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- إنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقول: "قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنى وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَإِذَا قَالَ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قَالَ: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قَالَ: أثنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ