للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا} الجمادُ يَحْيَا ويمُوتُ، وكلُّ شيءٍ حياتُهُ وموتُهُ بحَسَبِهِ، فلا تَظُنُّ أن الحياةَ والموتَ لا تُضافُ إلا إلى ما يمكن أن يكونَ متَحَرِّكًا، فهذه الأصنامُ يقولُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيها: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} [النحل: ٢٠ - ٢١]، وكلُّ شيءٍ لا حَرَكَة فيه ولا نُمُوَّ يمكن أن يُسَمَّى مَيِّتًا، وإن كان مما لا تَحِلُّهُ الحياة.

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا} قيل: إن المرادَ بالأرضِ نَفْسُ الأرضِ، وإنها باخْتِلاطِ الماءِ فيها تكونُ حَيَّةً وبيَبْسِهَا تكونُ ميتة.

وقيل: المرادُ ما عليها مِنَ العُشْبِ والزَّرْعِ ونحو ذلك، يعني النبات، وأن الأرضَ لا تكونُ أَرْضًا في الحقيقةِ ينْتَفِعُ بها الناسُ إلا بالنَّباتِ الذي فوقها، فيكونُ المرادُ بحَياتِهَا وموتِها حياة نباتها وموت نباتها، وهو أظهْرُ؛ لأنه مَحِلُّ الانتِفَاعِ، وربما يسْتَشْهِدُ له بقوله عزَّ وَجَلَّ: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة: ٢٥٩]، والخَاوِي على العُروشِ النَّباتُ، فقال: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}، فجعلَ الموتَ للنَّباتِ، وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [فصلت: ٣٩]، قال بعضُ العُلماءِ: التي تَهْتَزُّ هي الأرضُ نَفْسُها, لكِنَّ الظاهِرَ -واللَّه أعلم- أنَّ المرادَ بالأرضِ النَّباتُ.

قوله عَزَّ وَجَلَّ: {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} تقدم أن اللَّامَ واقِعَةٌ في جوابِ القَسَمِ، وأصْلُهَا (يقولونَنْنَ)، فحُذِفَتْ نُونُ الفِعْلِ لتوالي الأمثالِ، ولم تُحْذَفْ إحْدَى نُونَي التوكيدِ؛ لأن نونَ التوكيدِ جِيءَ بها لغرضٍ وهو التَّوكِيدُ، ونونُ الرفعِ دائمًا تُحْذَفُ في النَّصْبِ والجزمِ والتَّخْفِيفِ، ثم حُذِفَتِ الواوَ لالتقاءِ السَّاكنين؛ لأنَّ نونَ التوكيدِ مكونَةٌ من حَرفينِ أوَّلهُما ساكنٌ.

<<  <   >  >>