للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله عَزَّ وَجَلَّ: {إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} هذا الحصْرُ حَقِيقِيٌّ، فالدُّنْيَا تنْحَصرُ في هذين الأمرين: في اللَّهْوِ واللَّعِبِ، والفرقُ بينَ اللَّهْوِ واللَّعِبِ أن اللَّعِبَ بالجوارِحِ، واللَّهْو باللِّسانِ، لقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: ٦]، وقالَ تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} [الطور: ١٢].

وقيل: إن اللَّهْوَ في القَلْبِ وهو غَفْلَتُهُ وانطلاقُهُ في الملاهِي، أي: فِيمَا يُلْهِيهِ عَنْ طاعَةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وأن اللعبَ بالجوارِحِ مِنَ اللسانِ وغيرِ اللِّسانِ، وهذا أقربُ: أن اللَّهْو في القُلوبِ واللَّعِبِ في الجَوارِحِ.

فحاصل الدنيا أنها لهو يَلْهُو به الإنسانُ، غَفَلاتٌ يَمِينٌ وشِمالٌ، وكذلك لَعِبَ، حتى الأمورُ الجِدِّيَّةُ التي في الدُّنْيا هي لَعِبٌ لأنها تذْهب ولا تَبْقى، أو يذْهَبُ عنها صاحِبُها، فهي كلَعِبِ الأطفالِ يتَسَلَّوْنَ به ما دَامُوا أطْفالًا، ثم يهْجُرونُه إذا كَبِروا وعَقَلوا وعرَفوا ما هم عليه.

وقَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [فَأَمَّا القُرَب فَمِنْ أمورِ الآخِرَةِ لظُهورِ ثَمرَتِها فيها]: هذا جوابٌ عن سؤالٍ مُقَدَّرٍ: كيف تكون الدُّنْيَا لهْوًا ولَعبًا، مع أن الإنسان يعْمَلُ فيها عمَلًا صَالحًا؛ يُصَلِّي ولزَكِّي ويصومُ ويحُجُّ ويَبَرُّ والِديه ويَصِلُ رَحِمَهُ، وما أشبه ذلك، هل هذا يُعَدَّ من اللَّعبِ؟

فيقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: ليس بِلَعِبٍ مع أن هذه القرباتِ في الدُّنْيا وذلك لأن ظهورَ ثَمرتِهَا في الآخرة، ولهذا قال: "أمَّا القُرَبَ فمِنْ أمورِ الآخِرَةِ لظهورِ ثَمَرتِها فيهَا" وصدَقَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ، فإن الأعمالَ الصالحَةَ ليست من أعمالِ الدُّنيا, ولهذا لو أرادَ بها الإنسانُ الدُّنْيَا لبَطَلت ولم يكن له أجْرٌ فيها.

<<  <   >  >>