للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال شيخُ الإِسلام رَحِمَهُ اللَّهُ (١): "من حَجَّ ليَأْخُذَ فليس له في الآخرة من خلاق". يعني: من نَصِيبٍ، ولا شكَّ أن هذا الكلامَ الذي ذكَرَهُ الشيخ يدُلُّ له قولُه تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: ١٥ - ١٦]، ويُدَلِّلُ له قولُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ. . . " الحديثَ (٢)، والحاصلُ أن أعمالَ الآخرةِ ليست مِنْ أعمالِ الدُّنْيا، بل إذا أُرِيدَ بها أعمالُ الدنيا بَطَلَتْ.

قوله: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} هذه الجملة مؤَكِّدَةٌ بثلاثةِ مؤكِّداتٍ: إن، واللام، وضميرِ الفصل.

وقوله: {الْحَيَوَانُ} بمعنى الحياةِ، لكنها جاءتْ على هذا الوزنِ للمبالَغَةِ، {الْحَيَوَانُ} على وزن (فَعَلان)، ففيها زيادَةُ الألفِ والنُّونِ للمبَالَغَةِ، والواو قيل: إنها منْقَلِبَةٌ عن (ياء) وأنها قُلِبَتْ واوًا لئلا تَلْتَبِسَ بالمثَنَّى، هذا رأي سِيبَويه لأن أصلَهَا (حَيِي يَحْيا)، وقيل: الواوُ أصلية، لكن قُلِبَتْ ياءً لتَحَرُّكِهَا وانكسارِ ما قبْلَهَا.

فالحياةُ الحقيقيةُ هي حياة الآخرة؛ لأن حياةَ الدُّنيا في الحقيقة ليست حياة، ولذلك يقولُ الكافِرُ يومَ القيامة: {يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: ٢٤]، فالحياة الدنيا ليست حياةً:

أولًا: لأنها منَغَّصَةٌ، فكُلُّ صَفْوِهَا كَدَرٌ.


(١) مجموع الفتاوى (٢٦/ ١٩، ٢٠).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال، رقم (٦٠٧١) عن أبي هريرة.

<<  <   >  >>