للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإشارةُ إلى أنَّ هذا القُرآنَ الكريمَ الذي أعْجَزكم معْشرَ العربِ وأعْجزَ غيرَكُم لم يأتِ بحروفٍ جَديدَةٍ لا تَعرِفونها، وإنما أَتَى بحروفٍ تَعْرِفونها وتُركِّبونَ منها كَلامَكم، ومع ذلك أعْجَزَكم.

ولهذا لا تَكادُ تَجدُ سُورة مَبْدوءةً بهذه الحروفِ الهجِائيَّةِ إلَّا وجدْتَ بعدها ذِكْرَ القُرآنِ أو ما هو مِنْ خصائصِ القُرآنِ، انظُرْ قولَه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: ١ - ٢]، وقولَه: {الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} [آل عمران: ١ - ٣]، وقولَه: {المص (١) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [الأعراف: ١ - ٢]، وقولَه: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يونس: ١]، وقولَه: {حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} [الأحقاف: ١ - ٢]، وقولَهُ: {الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} [السجدة: ١ - ٢]، وهَكَذَا.

وأما قوله تعالى: {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا} فَلَيس فيهِ ذِكْرُ القرآنِ، لكِنْ فيها ذِكرُ ما هو مِنْ لازمِ القُرآن، وهو قَولُه: {أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}، فإنَّ مَنْ آمَنَ بالقُرآنِ لا بُدَّ أن يُفْتَنَ.

قولُه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا} قولُه: {أَن يَقُولُواْ} هَذَا محِلُّ الاستِفْهامِ، يعني: أيظُنُّ الناسُ أن يُترَكوا إذا قالوا: آمنَّا بدونِ أن يُخْتبَروا؟ هذا أمْرٌ لا يكونُ، بل لا بُدَّ من الاخْتِبارِ، وكُلَّما كانَ الإنسانُ أقْوى إيمانًا كان اختِيارُهُ أكثرَ، فإنَّ اللَّه تعالى يَبتِلي الناس، فيُبتَلى الصالحونَ الأمْثلُ فالأمْثلُ، حتَّى يَنْظر في دِينهِ هل فيه قُوَّةٌ أو هو دِينٌ ضَعِيفٌ.

وقوله: {أَحَسِبَ} بمَعْنَى: ظَنَّ، وقولُه: {النَّاسُ} يشْملُ المؤمِنينَ وغيرَ المؤمنينَ، وذلِك لأن قَولَهُ: (إِنِّي مُؤمِنٌ) يكونُ مِنَ المؤمنِ حقًّا، ويكونُ مِنَ المنَافِقِ،

<<  <   >  >>