للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المُفَسِّر التمثيلَ وأن مِنْ جُملةِ الأشياء الباطلِةِ الأصنامَ، وإلا فإن الباطِلَ يشْمَلُ كلَّ ما لا خيرَ فيه من صَنَمٍ أو دُنيا أو رِئاسة أو غيرها، كلُّ شيءٍ سِوَى الحقِّ فهو باطل، قال النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالهَا الشَّاعِرُ لَبِيدُ: أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّه بَاطِلُ. . . " (١).

فعلى هذا نقول: الباطلُ أعَمُّ مما ذَكَرَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ.

وقوله: {يُؤْمِنُونَ} أي: يُصَدِّقُونَ ويَطْمَئنُّونَ إليه، فتَجِدُهُم في الأمورِ الباطِلَةِ مُطْمَئنِّينَ مصَدِّقينَ متَّبِعِينَ، لكن بنعمةِ اللَّه يَكْفُرونَ.

وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ} أي: بما أنْعَمَ اللَّه عليهم مِنَ المالِ والجاهِ والرئاسةِ وغيرها {يَكْفُرُونَ}؛ لأن هذه النِّعَمَ تحتاجُ إلى شُكرٍ بالرجوع إلى طاعة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فإذا بَقِي الإنسانُ على مَعْصِيَةٍ معَ كَثْرَةِ النِّعَمِ صارَ بذلك كافرًا بالنِّعْمَةِ.

وبالنسبَةِ للمُسْلِمِينَ كُفْرهُم بنِعْمَةِ اللَّه يكونُ بكفْرِ النِّعْمَةِ المادِّيَّةِ والجسَدِيَّةِ والنعْمَةِ المعنَوِيَّةِ القَلْبِيَّةِ، فالإسلامُ أكبرُ النِّعَمِ، إذا كَفَرَ به الإنسان ولم يَقُمْ بواجباتِهِ فإنه يُوَبَّخُ ويقال له: ألَسْتَ مُسْلِمًا؟ فسيقول: بلى، فنقولُ: إذنْ لماذا لم تصلِ؟ لماذا لم تزكِّ؟ لماذا لم يفْعَل كذا وكذا من واجِبَاتِكَ؟

فشكر نِعْمَةِ الإسلامِ واجبٌ، كما أن شُكْرَ نِعْمَة اللَّه تعالى عَلَيْنَا في المالِ والبَنِينِ والأمْنِ والراحةِ وما أشبَهَ ذلكَ واجبٌ، بل الشُّكْرُ على نِعْمَةِ الإسلام أوجبُ، وكُفْرُ نِعمةِ الإسلامِ أخْطَرُ؛ لأن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقولُ: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: ٣٨]، وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ


(١) أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه، رقم (٥٧٩٥)؛ ومسلم: في بداية كتاب الشعر، رقم (٢٢٥٦) عن أبي هريرة.

<<  <   >  >>