{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة: ٦]، لم يَقُلْ: اهدِنْا إلى الصِّراطِ المستقيمِ، بل قال:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ}، فيَشْمَلُ الهدِايَةَ إليهِ، ويَشْمَلُ الهدِايَةَ فيهِ، فالهدايةُ إليه الدِّلالَةُ إليه، أي: يَدُلُّكَ على الصِّراطِ المستَقِيمِ، والهدايةُ فيه أن يُوَفِّقَكَ للعملِ في إطارِ هذا الصِّرَاطِ، فقوله تعالى:{لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} يشملُ الأمْرَينِ، هداية الدِّلالَةِ والعِلْمِ، وهِدَايةَ التَّوفيقِ والإرْشادِ، وهذا وَعْدٌ من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مؤكَّدٌ بهذه المؤكدات الثلاثِ، فإذا كان الإنسانُ يؤمِنُ بهذا الوَعْدِ وأنه مِنَ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا، وهو لا يُخْلِفُ الميعادَ لتمامِ عِلْمِهِ وقُدرَتِهِ وصِدْقِهِ، وإخلاف الموعِدِ يكون بتَخَلُّفِ واحدٍ من هذه الثلاثة: العِلمِ والصدْقِ والقُدرة؛ فالذي يُخْلِفُ الموْعِدَ لا يكونَ إلا جاهِلًا وَعَدَكَ بشيءٍ وهو يَظُنُّ حُصولَهُ ولم يأتِ الأمرُ على ظَنِّهِ، أو أنه كاذِبٌ وَعَدَكَ وكذَبَكَ، أو أنه عاجِزٌ، أي: هو صَدوقٌ ويعْلَمُ الأسبابَ لكن عَجَزَ، لكن اللَّه جَلَّ وَعَلَا انْتَفَى بحَقِّه كلُّ هذه الثلاثة: الجَهلِ والكذبِ والعَجْزِ، فلِتمامِ قُدْرتهِ وعِلمِه وصِدْقه لا يُخْلِفُ الميعادَ.
فمن صدَّق بهذا الوعدِ فإنه لابُدَّ أن يَبْذُلَ جُهدَهُ في حق اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا مِصْدَاقُ ما جاء في الآثارِ الكَثيرَةِ؛ من أن الإنسانَ إذا عَمِلَ بعِلمِهِ فإن اللَّه يَزيدُهُ عِلْمًا، ويُثَبَّتُ عِلمَهُ الذي يعْمَلُ به، ولهذا قيل: قَيِّدُوا العِلمَ بالعَملِ، وقيل: إن العِلْمَ يهتِفُ بالعملِ فإن أجابَ وإلَّا ارْتحَلَ، (يهتف) أي: يُنادِي، فإن عَمِلَ الإنسان بعلْمِهِ بَقِي وزادَ لأن قوله:{لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} هذه زيادَةٌ، وإن لم يُجِب ارْتَحَلَ.
وهذا حقٌّ يُؤَيِّدُه الواقعُ ويُؤيِّدُهُ المعلومُ بالشَّرعِ، فإن الواقعَ إذا صار طالبُ العِلمِ يعْمَلُ بعِلمِهِ، فإن عَمَلَهُ بالعلمِ دِراسَةٌ له؛ أنت عَلِمَتْ كيف كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصلِّي وطبَّقْتَ ذلك في كل صَلواتِكَ لا تَنْسَاهُ؛ لأن التطبيقَ دراسة.
وهنا أُحِبُّ أن أُنَبَّه طالبَ العِلْمِ ألا يَهْتَمَّ بحفظِ المسائلِ فَقَطْ، فالتَّسجيلُ