أفضَلُ وأقْوَى منَّا حِفظًا للمسائلِ، لو تُعْطِيه ألفَ مسألة ثم تأتي بعدَ عِشرينَ سنَةً أعادَهَا عليك كما هي، المهم: أن يَفْهَمَ طالبُ العلم، فَفَهْمُ الدَّلالَةِ من القُرآنِ والسُّنَّةِ ومعرفةِ كَيفيَّةِ استنباطِ الأحكامِ، إذا أُوتِيهِ طالبُ العِلمِ فقَدْ أُوتِيَ خَيرًا كَثِيرًا وعِلمًا كثيرًا، والذي يُؤتَى الفَهمَ في الكتابِ والسُّنَّةِ كالطبيبِ، والذي يحْفَظُ العِلْمَ كالصَّيْدِليِّ يحفْظُ لك الدواءَ، لكنَّ الطَّبِيبَ هو الذي ينْتَفِعُ وينْفَعُ، ولذا قال عليُّ بنُ أبي طالب -رضي اللَّه عنه- لما سئل: هل عندكُمْ كتابٌ؟ قال: لا، إلا كِتابَ اللَّهِ أو فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أو ما فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ (١)، ولا شك أن عَلِيًا أُوتِي شَيئًا كَثِيرًا.
فالمهم: على طالبِ العِلْمِ أن يهْتَمَّ في دِرَاسَتِهِ للكتابِ والسُّنَّةِ بجانبِ الاستِنْباطِ والفَهْمِ والتَّفْرِيعِ أيضًا، وقد تقَدَّمَ أن دَلالَةَ اللَّفْظِ على معناه تكونُ على ثلاثةِ أَوْجُهٍ: مطابَقَةٍ وتضَمُّنٍ والتِزَامٍ، المطابِقَةُ والتَّضَمَّنُ أمرهُمَا بسيطٌ، أدْنَى طالِبُ عِلم يَفْهمها، لكن دَلالَةَ الالتزامِ هي التي يتَفَرَّعُ عليها مسائلُ لا يُحْصِيهَا إلا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وإذا وُفِّقَ الإنسانُ لها يَنالُ خَيرًا كثيرًا.