للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكُمُ خطايا بهذا الاتِّبَاع فإننا نتَحَمَّلها، فالتَّقدِيرُ الذي ذكَرَهُ المُفَسِّر واضحٌ مِنَ الآية؛ لأنهم لو كانوا يَعتَقِدُونَ أنهم إذا دخَلُوا في الشِّرك كانوا مُخطِئينَ لمَّا دَعَوا إلى الشِّركِ، فتَضَمَّن هذا الكلامُ دَعوةً ودِعايةً، الدعوةُ في قُلوبِهِمْ: {اتَّبِعُوْا سَبِيلَنَا} والدِّعايَةُ: بتَزْيِينَ هذا الأمرِ لهم في قَولهِمْ: {وَلنَحْمِلْ خَطَايَكُم} يَعْنِي: لا شَيءَ عليكُمْ.

قال اللَّهُ تعالى مُكَذِّبًا لما ادَّعُوهُ: {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ} (ما) نافية، وهي هنا حِجازِيَّةٌ، ودخلتِ الباءُ في خَبَرهَا على حَدِّ قولِ ابنِ مالك رَحِمَهُ اللَّهُ في ألفيته (١):

وَبَعْدَ (مَا) وَ (ليسَ) جَرَّ البَا الخَبَرْ ... . . . . . . . . . .

فهُنَا بعدَ (ما) أَتَى بـ (الباءِ) الزائدةِ إعْرابًا لتأكِيدِ النَّفْي، أي: أن هَذَا الأمرَ مؤكَّدٌ.

قولُه: {مِنْ شَيْءٍ} (من): حرفُ جَرٍّ زائدٍ، وفائدةُ الزِّيادة تأكيدُ العُموم، سواء كانَ هذا الشَّيءُ قَليلًا أو كثيرًا، أما قوله: {مِنْ خَطَايَاهُمْ} الجارُّ والمجْرُورُ في موضعِ نَصْبٍ على الحالِ مِنْ {شَيْءٍ}؛ لأن الوَصْفَ إذا سبَقَ النَّكِرَةَ صارَ حالًا منها، وإن تأخَّرَ صارَ نَعتًا.

وقولُه: {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ} أي: ما هُمْ حامِلُون شيئًا مِنْ خطاياهُمْ. وهل هذا خبر عن حكمٍ شَرْعِيٍّ، أو عن حُكمٍ شَرْعِيٍّ قَدَرِيٍّ؟

أما كونه حُكمًا شَرْعِيًّا فلا يمكنُ أن يحْمِلَ هؤلاء مِن خطَايا هؤلاءِ شيئًا، لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤].


(١) البيت رقم (١٦١).

<<  <   >  >>