للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما كونُهُ خَبرًا عن حُكيم قَدَرِيٍّ فلا يمكن أيضًا؛ لأن هؤلاءَ لو قالوا لهم: نَحمِلُ خطَاياكُمْ فإنهم كاذِبونَ في ذلك، لقوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البقرة: ١٦٦]، فكانَّ اللَّه تعالى يُكَذِّبهم في ذلك، ويقول: {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ}، أي: أنَّهمُ لا يَصْدقُون فيما قالُوا.

فصارتِ الآيةُ متَضَمِّنَةً للنَّفْي حُكمًا شَرْعيًّا وللنَّفْي حُكمًا واقِعيًّا، فهم في الشَّرْعِ لا يحملونَ أوْزَارَهُمْ، وهم في الواقعِ لا يحْمِلُونَ أوزَارِهم أيضًا، ولو قالوا ما صَدَقُوا ولكن يريدون أن يخْدَعُوهم ويُغْروهُمْ.

ولهذا قال: {إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أي: كاذِبُونَ في قولهم: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}، ولو قالوا ما صَدَقُوا، كما أنه بالنِّسْبَة إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لا يُمكِنُ أن يحمِّل أوزارَ هؤلاءِ لهؤلاءِ، قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤].

ولما كانَ قولُه عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} قد يُوهِمُ أنهم لن يَحْملُوا شيئًا مِنْ أوْزارِهِمْ، أي: لن يحْمِل الدعاةُ شيئًا من أوْزَارِ المدْعُوِّين، قال: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}.

قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَيَحْمِلُنَّ}: الفاعلُ هم الدُّعاةُ، وهذه الجملةُ مؤَكَّدَةٌ بالقَسَمِ واللامِ والنُّونِ.

قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{أَثْقَالَهُمْ} أَوْزارَهُم]: يعْنِي: عُقُوبَةَ الذُّنوبِ، وسُمِّيَتِ الأَوْزارُ أثْقَالًا، لأنها والعياذُ باللَّهِ تُثْقِلُ صاحبَها، والضمير في: {أَثْقَالَهُمْ} يعودُ على الدَّاعِين، يعني لَيحْمِلُنَّ هؤلاء الدعاةُ أثقالَ أنفسهمْ، {أَثْقَالَهُمْ}، أي: أثْقَالًا أخْرى مَع أثقالِهمْ، وهي أثقالُ دَعْوتهِمْ، قال اللَّه تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: ٢٥]،

<<  <   >  >>