للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهم يحْمِلُونَ أثقَالهُمْ كاملةً، أما أثقالُ المدْعُوِّينَ فلا يحمِلُونها كامِلِةً، ولو حملوهَا كامِلة ما بَقِي للمَدْعُوِّينَ شيء، ولهذا قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَثْقَالَهُمْ} بمَرِةٌ، وتَقَدَّمَ قولُهُ في الآيةِ الأُخْرَى: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ} [النحل: ٢٥]، وذلك لأن الدَّاعِيَ لا يتَحَمَّلُ وِزْرَ المدعوِّ كامِلًا, ولو تحمَّله كاملًا ما بَقِي للمَدْعو شيءٌ، ولكن الوِزْرَ على الدَّاعِي والمدْعُو، والعياذُ باللَّهِ.

وقوله: {وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} لدَعوتِهِمْ إلى الضَّلالِ، وكل مَنْ دَعَا إلى ضلالَةٍ فلَهُ مِثلُ وِزرِ مَن عَملَ بها من غيرِ أن يَنْقُصَ من أوْزارِهِمْ شيء.

قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّه: [{وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} بقولِهم للمُؤمِنينَ: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا} وَإِضْلالِهمْ مُقَلِّديهِمْ]: والمقلِّدونَ هم الذين اتَّبَعُوهُمْ؛ لأن الكفَّارَ مجتهِدُونَ ومُقَلِّدونَ، أي: رؤساءُ ومُقَلِّدونَ، قال اللَّه تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص: ٤١]، والإمامُ له مأمومٌ يَتْبَعُهُ، فالكُفارُ منهم رؤساءُ ومُقَلِّدُونَ، فهؤلاء المقلِّدونَ يحمِلُ الرؤساء مِن أوْزارِهِمْ ما يتَحَمَّلُونَ، وكذلك من أوْزارِ الَّذينَ يَدْعونهُمْ بغيرِ عِلمٍ، لكن إذا دَعْوا شخصًا ولم يَقْتدِ بهم فإنهم يحمِلُونَ أوزارِ الدَّعوةِ فقط دون وِزْرِ العملِ، والسببُ هو عدمُ وجودِ العملِ.

قوله: {وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} يسألهُمُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يومَ القيامَةِ، وقد سُمِّي بذلك لأمورِ الأشْهادِ، فإن الأشهادَ يقومونَ في ذلكَ اليوم، والأشْهادُ هُمُ الرُّسُلُ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكذلك غَيْرُ الرُّسُلِ مِنَ العلماءِ، وكذلك الجلودُ والألْسُنُ.

قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{يَفْتَرُونَ} يَكْذِبونَ علَى اللَّهِ]: لأنهم قالوا: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}، فهم كاذِبُونَ في هذا، وسيُسْألَونَ عن هذا الكذبِ، وكذلك كلُّ دَجَّالٍ يَدْعو إلى باطِلَه بالكذبِ، سيُسْألُ عَنْ هذا الكذبِ.

<<  <   >  >>