إلى الشرِّ ينالُه من العُقوبَةِ وهذا من العَدلِ، فإن الدَّاعِيَ إلى الخيرِ ينالُهُ من الأجْرِ؛ لأن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذُو فَضلٍ عَظِيمٍ، فإذا كان اللَّهُ يُعاقِبُ مَن دَعَا إلى الضَّلالَةِ فكيف لا يُثيبُ من دَعَا إلى الهُدَى.
الفَائِدةُ الحَادِيةَ عشْرَةَ: خطورةُ الدَّعوةِ إلى الضَّلالِ، حيث إنَّ كلَّ من تأثَّر بهذه الدَّعوة فإن عَلَى الدَّاعِي مثلَ وِزْرهِ، أو مِنْ وِزْرِه، كما قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ}[النحل: ٢٥].
الفَائِدةُ الثالثةَ عَشَرَةَ: إثباتُ سؤالِ هؤلاءِ عَنْ أعمالهِمِ السَّيئةِ، لقوله:{عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} وقد جَمَعْنَا في موضعٍ آخر قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ}[القصص: ٧٨]، وبينَ قولِهِ تعالى في هَذِهِ الآية:{وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[العنكبوت: ١٣].
الفَائِدةُ الرابعةَ عَشَرَةَ: أن الكَذِبَ يُعاقَب عليه المرءُ، لقوله:{عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} يعني: الَّذي كانُوا يَفْتَرُونه، أما الكذِبُ المباحُ فلا عُقوبة فيهِ، لكن الكذبَ غيرُ المباحِ عليه عُقوبَةٌ، وهناك من يقولُ مِنَ الناس: إن الكَذبَ نوعانِ: أبيض وأسود، فالأسودُ هو ما كان عليه العُقوبَةُ، والأبيض لا عقوبة فيه، والحقيقةُ أن الكَذِبَ كُلُّه أسودُ، وقد يقولون: الأسودُ ما فِيهِ أكْلُ مالٍ للغَيْرِ أو اعتداءٌ عليه أو انتهاكٌ لعِرْضِهِ، يعني ما فيه مَضَّرة على الغَيرِ فهو كَذِب أسود، وأما ما فيه التَّرْويحُ عن النَّفْسِ والإصلاح وما أشبه ذلك فهذا أبيض، وهذا ليسَ بصَحيحٍ، بل وَرَدَ الوعيدُ على مَن كذِبَ ليُضْحِكَ به القومُ كما في قولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ