تَأْبَى ذلك، أي: تَأبَى أن يَعْطِفَ الشيء علَى نفْسِهِ لأن ذلك من بابِ التَّكْرارِ.
فما هو الفرقُ الذي يكونُ به العَطف مُقْتَضِيًا للمغايَرَةِ؟
ونزيدُ الأمرَ وُضوحًا فنقول: إذا قلنا: إن التَّقْوَى اتِّخَاذُ وقاية مِنْ عذابِ اللَّه بطاعَتِهِ، والعبادَةُ التَّذَلُّلُ للَّه تعالى بطاعَتِهِ، صارَ معناهما واحدًا، والعطفُ يقْتَضِي المغايَرَةِ.
فكيف يمْكِنُ أن نُفَسِّرَ العبادةَ بمَعنى يُغَايِرُ معنى التَّقْوى؟
والجوابُ على هذا من أحدِ وَجْهينِ:
الوجه الأول: أن يُرادَ بالعبادَةِ في هذه الآية فِعلُ الأوامِرِ، وبالتَّقْوى تركُ النَّواهِي، يعني أن تَتَّقِيَ المعاصِيَ وأن تفعلَ الطاعَاتِ، هذا إذا كانت الكلمتان كُل واحدة منها تَشْمَلُ معنى الأُخْرَى عندَ الانفرادِ وتَغَايُرها عند الاجتماعِ؛ وهذا له أمثلِةٌ كثيرة، مثل: الفَقير والمسكِينِ، هما شيءٌ واحدٌ عند الانفرادِ، ويختلفانِ عندَ الاجتماعِ، البِرُّ والتَّقْوى كذلك، هما شيء واحدٌ عند الانفرادِ، وشيئان عندَ الاجتماعِ، فهنا نقول: العبادةُ والتَّقْوى شيءٌ واحد عند الانفِرَادِ، وعند الاجتماعِ تُفَسَّرُ العِبادةُ بفِعلِ الأوامِرِ، والتَّقْوى باجتِنَابِ النَّواهِي.
الوجه الثاني: أن يُرادَ بالعبادَةِ: مطلقُ الالتزامِ والتَّذَلُّلِ، والتَّقوى المرادُ بها: اتِّقاءُ العملِ المعَيَّنِ؛ لأنه ليس كلُّ من قام بمُطلقِ العِبادَةِ يقومُ بالتَّقوى، فكثيرٌ من المسلمين الآن يعبدون اللَّهَ، ولكنهم لا يتَّقُونَهُ في أشياءَ كثيرة.
عندنا الآن الصومُ، هل الصائمُ يتَّقِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ في كلِّ شيء بحيثُ يتْرُكُ الكذِبَ والغِيبةَ والشَتْمَ والمحرَّم وقولَ الزورِ والعملَ بِهِ؟