الفَائِدةُ الخامِسة: أن القرآنَ متَضمِّنٌ لجميعِ الأحكامِ العَقَدِيَّةِ والعملِيَّةِ، وأنه أتى بذلك على أكملِ وَجْهٍ وأبْيَنِهِ، لقولِه:{إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}، فعليه البلاغُ لكُلِّ ما أُرْسِل به، والنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُرْسِلَ بعقَائدَ صحيحةٍ سليمة وبأعمالٍ قويمَةٍ وبأقوالٍ مستَقِيمَةٍ، وعلى هذا نستَدِلُّ بهذه الآية على أن جميعَ الشَّريعة بيِّنة مُكَمَّلَةٌ واضِحةٌ، فنردُ بها على جميعِ أهلِ البِدَعِ؛ لأن أهلَ البِدَعِ يستَلْزِمُ قولهم ألا يكونَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بلَّغَ البلاغَ المبِينَ.
مثال ذلك: الذين يُنْكِرُونَ حقيقةَ استواءِ اللَّهِ على عَرْشِهِ، يقولون: إن معنى الاستواءِ الاستيلاءُ على العَرْش، هؤلاء تُكَذِّبُهم هذه الآية، إذ لو كان المرادُ بالاستِواءِ الاستيلاءُ لأتى هذا المعنى ولو في آيَةٍ واحِدَةٍ، وآيات الاستواءِ في القُرآنِ سبعُ آياتٍ، لم يأتِ في أي منها: استَوْلى على العَرش، فنقول: أنتم كاذِبُونَ، تكذِّبُكُم هذه الآية.
وكذلك بقِيَّةُ الشبهات التي يحتَجُّ بها أهلُ التَّعطيلِ أو أهلُ التَّمْثِيلِ أيضًا، فأهلُ التمثِيلِ الذين يقولون: إن اللَّه استَوى عَلَى عَرْشِهِ حقيقة، فإن استواءه كاستواء المخلوقِ عَلى المخلوقِ، كاستواءِ المَلِك على عرش المُلك، وما أشبه ذلك، نقول: هؤلاءِ أيضًا يُكَذِّبُهُم قوله تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}؛ لأنَّ الرسولَ بلَّغَ البلاغَ المبينَ، وقد أتَانَا من بيانِه قولُه تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١].
= والترمذي: كتاب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم (٢٦٨٢)؛ وابن ماجه: افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم (٢٢٣).