فإن قال قائلٌ: يوجدُ وقائعُ الآن تَقَعُ ولا نَرى لها ذِكرًا في القُرآنِ ولا في السُّنَّةِ، فما هو الجواب على ذلك؟
فالجواب: إنها مُبيَّنةٌ بيان الجِنس، فليس بلَازمٍ أن القرآن يأتِي بكُلِّ فَرد، أو السُّنَّة تأتي بكُلِّ فرد؛ لأن أفرادَ القضايا لا حَصْرَ لها, ولو أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَر في القرآن كُلَّ قَضِيَّةٍ تأتي إلى يوم القيامةِ فكمْ يكونُ القُرآنُ مِن مجلَّدٍ؟
لكننا نقولُ: هذه الأفرادُ -أعني أفراد هذه المسائل- موجودَةٌ بأجْناسِهَا وعِلَلِها وقواعِدِهَا، إما أن تكون بالقياسِ وإما أنها مسْكوتٌ عنها، والسُّكوتُ في مقامِ البيانِ بيانٌ، كما قال النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"مَا سُكِتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ"(١).
المهم أنَّنَا نقولُ: ما من قَضِيَّةٍ تقعُ إلا وحُكْمها موجودٌ في القرآن أو السُّنَّةِ باعتبارِ جِنسِهَا، فجِنسُ هذه القضية موجودٌ في القُرآنِ إما بقاعِدَةٍ عامَّةٍ أو بقياسٍ صحيحٍ أو ما أشبه ذلك، لكن الخلَلَ والنَّقْصَ جاء من قلَّة العِلم وقُصورِ الفَهم -أو نقول: عدمُ معرِفَةِ الحقِّ من الكتابِ والسُّنَّةِ- سبَبُهُ أربعةُ أمورٍ:
الأولُ: قِلَّةُ العِلم، فالخللُ هنا مِنَ الإنسانِ؛ لأنه ليسَ عِندَه عِلم، فالإنسان لا يستطيع أن يُحيطَ بالسُّنَّةِ رغمَ أنه قد يُحيطُ بالقرآن، فتوجَدُ أحاديثُ قد لا يَعْلمُها الإنسان وما كانت تَدورُ في ذِهْنِهِ من قبل لعَدمِ عِلمه بها.
الثانِي: قُصورُ الفَهْمِ، فيكونُ الإنسانُ عندَهُ عِلْمٌ لكن فَهْمَه قاصِر، واختلافُ الناس في الفَهمِ أكثرُ وأعظمُ من اختلَافِهِم في العِلْم، يوجد بعضُ الناسِ يستَنْبطُ
(١) أخرجه أبو داود: كتاب الأطعمة، باب ما لم يذكر تحريمه، رقم (٣٨٠٠) عن ابن عباس؛ والترمذي: كتاب اللباس، باب لبس الفراء، رقم (١٧٢٦)، وابن ماجه: كتاب الأطعمة، باب أكل الجبن والسمن، رقم (٣٣٦٧).