للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يخلُقُهُمْ ابتداء، يعني: كيف يخلُقُهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ابتداءً.

وقوله: {كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ} (الخلْق) هنا مَصْدَرٌ بمعنى اسمِ المفعولِ، أي: المخلوقِ، كيف يَبْدؤُه ثم يُعيدُه، والمصدر يأتي بمعنى اسم المفعولِ كَثِيرًا في اللُّغَةِ العَربيةِ، ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: ٦]، يعني الحملَ الذي في البَطْنِ، بمعنى محمولٍ، وقولُه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ عَمِل عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" (١)، بمعنى: مَرْدودٍ، هنا (خَلق) بمعنى مَخْلوقٍ، ومثلها قوله تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} [لقمان: ١١]، أي: مخْلُوقَهُ.

قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{ثُمَّ} هُو {يُعِيدُهُ} أي: الخَلْقَ كَمَا بَدَأَهُمْ]: وهَذا إشارةٌ إلى أن الجلقَ هنا بمَعْنَى المخْلوقِ، فيَعُمُّ كُلَّ النَّاسِ.

وقوله: [{ثُمَّ} هُو {يُعِيدُهُ}]: قدَّرَ (هو) لتكونَ الجملةُ استِئْنَافِيَّةً؛ لأن إعادةَ الخَلقِ لا يمكنُ أن يَنْظُروا إليها لأنها تكونُ يوم القيامة، أي في المستَقْبَلِ، لكنَّ ابتداءَ الخلْق يمكن أن يَنظُروا إليه، فنَحنُ مثلًا ننظر إلى مخلوقاتِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كيف تَتَوالَدُ وكيف تَتَنامَى وكيف تَكْبُر إلى آخره، لكنَّ إعادة الخلْق لا يمكن، ولهذا قَدَّرَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{ثُمَّ} هُوَ {يُعِيدُهُ}]، لئلا يتَوَهَّمَ الإنسانُ أنها معطوفةٌ على يُبْدِئ وهو أمرٌ غيرُ ممكنٍ؛ لأنها لو كانت معطوفة عليها لكان المعْنَى أولم ينْظُروا كيفَ يُبْدِئ الخلق ثم كيف يُعِيدُهُ، والنظر إلى كيفية الإعادَةِ متَعَذِّرٌ.

ذكرنا أن قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا} يُحتمل أن تكون عِلْمِيةً، والمؤلف يَرى أنها بَصَرِيَّةٌ، فأيهما أشْمَلُ؟


(١) أخرجه مسلم: كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، رقم (١٧١٨).

<<  <   >  >>