للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والظاهر أن القَلبِيَّةَ أشْمَلُ؛ لأنها تَشملَ ما رآه الإنسانُ بعَيْنِهِ وما عَلِم به من غَيْرِهِ، واعلم أن الآية إذا احتَملتْ مَعْنيين أحدهما أشْمَلُ والثاني أخَصُّ فالأَوْلَى حَمْلُها على الأشْمَلِ؛ لأن الأخصَّ داخلٌ فيه، بخلافِ ما إذا حُمِلَتْ على الأخَصِّ فمعناه أننا أخْرجْنَا بعض دَلالَتِهَا فالأَوْلَى أن نَحْمِلها على الرُّؤَيةِ العِلمية التي تحصلُ بالبَصر وبالسَّمع أيضًا، كما قال اللَّه تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [النحل: ٧٨]، السمعُ والإبصارُ طَريقُ العِلْمِ، والأفئدةُ مَحِلُّ الوَعْي.

قوله: [{إِنَّ ذَلِكَ} المذُكورَ مِنَ الخلْق الأوَّلِ والثَّانِي {عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}]: أي: سهلٌ، فابتداءُ الخلْقِ سَهْلٌ على اللَّهِ، واقرأ قولَ اللَّه تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: ٥٩]، فالأمرُ سَهْلٌ على اللَّهِ، وإعادَةُ الخلْقِ أيضًا سَهلَةٌ لقولِهِ: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَة} [الصافات: ١٩]، زَجْرةٌ واحِدَةٌ فقط {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: ١٤]، وأعمُّ من ذلِكَ قولُه عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: ٥٠]، واحدةٌ بدون تأَخُّرٍ؛ يأمرُ اللَّه الشيءَ فيكونَ مثلَ لمحِ البَصر، وهذا دَليلٌ على كمالِ قُدرتهِ جَلَّ وَعَلَا.

في هذه الآية يقولُ اللَّه تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير} وفي آيَة ثانِيَةٍ يقولُ اللَّهُ تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: ٢٧].

فإننا نقولُ لهؤلاءِ المنْكِرينَ للبعثِ: هل تُقِرُّونَ بأن اللَّه خلقَكُم ابتِدَاءً؟

هم يقولون: نَعم، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}. [الزخرف: ٨٧].

فنقول لهم: أيهما أهونُ الابتداءُ أو الإعادَةُ؟

الجواب: الإعادةُ أهونُ.

<<  <   >  >>