الجواب: بهما جميعًا؛ لأن الإنسانَ قد يَسِيرُ ببدنِهِ ويطَّلع على مخلوقات اللَّهِ، وقد يسيرُ بقلْبِهِ فيقرأُ ما كُتِبَ عن مخلوقاتِ اللَّهِ، فربما تَقْرَأُ كِتابًا عن الحيواناتِ أو غيرها وأنتَ في مكَانِكَ أو في حُجْرتَكِ وتكون قد اطلعتَ على ما في مشارِقِ الأرض ومَغَارِبِها، ويكون السيرُ حينئذ بالقَلْبِ، فهو شامل للأمْرَيْنِ جميعًا.
بل إذا نظَرنا إلى السَّيْرِ في الأرض -إلى واقعه- أيهما أكثرُ بالقَلْبِ أو بالقَدَمِ؟
فالجواب: بالقَلْبِ، ولا إشكال في ذلك.
ثم اعلم أيضًا أن السيرَ بالقَدَمِ لا ينفع إذا لم يكن هناك سَيْر بالقَلب واعتبارٌ، فلو أن الإنسان ماجَ فِجاجَ الأرض كلَّها وهو غافِلٌ ما استفادَ من ذلك السَّيرَ شيئًا، بل لا بد أن يكونَ هناك تَيَقُظٌّ واعتبارٌ، فالسير بالقَدمِ إذا لم يُقْصدْ به الاعتبارُ فإنه لا فائدَةَ منه، فإذا قَصَدَ به الاعتبار عاد إلى كونه سَيرًا بالقَلب.
قولُه:{فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ}، هنا قال:{فَانْظُرُوا كَيْفَ}، وفي الآية التي قَبلها قال:{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ}، ومعلوم أنَّ:(انْظُروا) و (يَرَوا)، أفعالٌ متَعَدِّيَةٌ، فأين مفعولها؟
الجواب: مفعولها (كيفَ)، في موضِعِ نصبٍ على الحالِ، وهي مُعَلِّقَةٌ للفعلِ عن العَملِ، وقد مر هذا في (ألفية ابن مالك) في باب ظَنَّ وأخواتِهَا؛ قال ابن مالك رَحِمَهُ اللَّه (١):