قولُهُ:{ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} في صَدْرِ هذه الآية أتَي بالصِّيغَةِ الفِعلية، وهنا أتى بالجملة الاسْمِيَّةِ ليُفيدَ تَقَرُّرَ هذا الأمْرِ وتأكُدِّهِ.
وقوله:{ثُمَّ اللَّهُ}(اللَّه) هنا عَلَمٌ على البَارِي جَلَّ وَعَلَا، وأصلُها الإِلَه وحذفتِ الهمْزَةُ تخفيفًا لكثرةِ الاستعمالِ كما حُذِفَتْ مِنَ الناس، والإله معناه: المأْلُوه، أي: المعبودُ، سواء بحقٍّ أو بغيرِ حَقٍّ، وعلى هذا فيكون اللَّه هنا: هو المعبودُ بحَقٍّ، بدليل قوله:{لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} يعني: لا معبود بِحَقٍّ إلا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أي: لا إله هو الحقُّ إلا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وقوله: [{يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} مَدًّا وقَصْرًا مع سُكونِ الشِّينِ]: فهما قراءتان (النَّشَاءَةَ) و {النَّشْأَةَ}(١).
وقوله:{النَّشْأَةَ} يُحتَمَلُ أن تكونَ مَصْدَرًا كما تقول: يضْرِب الضَّربَةَ، ويحتمل أن تكون بمعنى اسمِ المفعولِ، أي: يُنْشِئُ المُنشأَ الآخِر، والمعنى واحد: أن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يُنشِئُ الخلْق مرَّةً ثانية.
فإذا قال قائل: كيف نُسَمِّيها نشأةٌ وهي إعادة؟
قلنا: إن هذه الإعادةِ تختلِفُ عن سابَقتِهَا اختلافًا كَثيرًا، فهي بالنسبة إليها نشأةٌ؛ لأن حياةَ الآخِرَةِ ليست مثلَ حياةِ الدنيا، فحياةُ الآخِرةِ حياةٌ أبَدِيَّة، وحياةُ الدُّنيا حياةُ فناءٍ، ولذلك تَجِدُها ناقِصة، يُخلق الإنسان من ضَعف إلى قوَّة إلى ضعْف، أما في الإعادَةِ فإنه يُخلَق للأبَدِ، فلذلك سميت نشأةً وإن كانت هي إعادَةٌ، لاختلاف الحالين.