انظر إلى الجنين في بطنِ أمِّه، قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيه بعد أن ذَكَر أطوارَهُ:{ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ}[المؤمنون: ١٤]، هل هو إنشاءٌ أو تطويرٌ؟ هو تطوير، لكنه لما كان التَّطويرُ الأخير الذي فيه نَفْخُ الرَّوُح يختلفُ عن الأَوَّلِ وهو في بطنِ أمِّه؛ حيث كان جَمَادًا ثم تُنْفَخُ فيه الروح، فيكون نشأةً جَديدةً غير الأولى، فسُمِّيَ نشأةً وإن كان تطويرًا من حالٍ إلى حَالٍ.
قوله: [{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وَمِنْه البَدءُ والإعَادَةُ]: هذه الجملَةُ تَعليلُ لما سَبَقَ من كونِهِ ابتدأَ الخلقَ ثم أعادَهُ؛ لأن اللَّه على كُلِّ شيءٍ قَدير، والقُدرةُ: وصفٌ يتَمَكَّنُ به الفاعلُ من الفِعلِ بدونِ عجزٍ.
والقدرةُ غيرُ القوَّة؛ فالقوَّةُ يقابِلُها الضَّعْفُ، والقُدْرَةُ يقابِلُها العَجْزُ، ويظهر ذلك بالمثالِ، فمثلًا: أنا إذا حَملتَ كِتابًا لكن بمَشَقَّةٍ، فأوصَفُ بأني قادر، ولكنِّي لستُ قَوِيًّا، وآخر لما أرادَ حملَ الكِتاب عَجَز عنه، فهو عاجِزٌ، والثالث حَملَهُ كأنه رِيشَةٌ في يَدِهِ فإذا قادِرٌ قَوِيٌّ. فتبَيَّنَ بهذا أن القُدرةَ غيرُ القوةِ.
كذلك أيضًا: القدرةُ يوصَفُ بها ذو الشُّعورِ ولا يوصفُ بها غيره، فَلا يقالُ للحَديدِ: إنه قادِرٌ، بينما القوة يوصَفُ بها ذُو الشُّعورِ وغَيْرهِ، فنقول للحديدِ: قَوِيٌّ، ونقول للإنسان: قَوِيُّ، واللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى موصوفٌ بالقُدْرَةِ وموصوفٌ بالقُوَّةِ:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[الذاريات: ٥٨].
وهل قوله تعالى:{عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} عامٌّ مخصوصٌ أم لا؟
هذا على عُمومِهِ، لا يُخَصَّصُ بشيءٍ، لكنَّ السُّيوطِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قال في تفسيرِ قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[المائدة: ١٢٠]: [وخَصَّ العقلُ ذاتَهُ فليس عليها بقَادِرٍ! ].