[خصَّ العقلُ ذاتُهُ]: يعني: ذاتَ اللَّهِ، فليس عليها بقادَرٍ، فقال: إن العقلَ يُخَصِّصُ هذا العمومَ، ونحن نقولُ: لا يخصصُ هذا العمومُ مِنَ العُقولِ إلا العقلَ الفاسِدَ الذي يَرَى امتِنَاعَ قيامِ الأفعالِ الاختِيارِيَّةِ باللَّه عَزَّ وَجَلَّ، أما العقلُ الصَّحِيحُ السليم فهو يَرَى أن اللَّه يفعل ما يَشاءُ، ينْزِلُ، ويستَوِي على العَرشِ، ويستَوي إلى السماءِ، ويضْحَكُ، ويَعْجَبُ، وغير ذلك من الأفعالِ الاختِيارِيَّةِ التي تَليقُ بجَلالِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فقوله:[خَصَّ العقلُ ذَاتَه فليسَ عليها بقَادِرٍ]، هذا خَطأٌ عَظِيمٌ، إذا كان لا يَقْدِرُ على نفسه فكيفَ يَقدِرُ على غيرِهِ، هذا من أكبرِ المُحالِ ومِنْ أكبرِ الغَلَطِ!
لكن لو قال قائل: لعلَّ المُفَسِّر يريدُ أنه لا يَقْدر على إفناءِ نَفسِهِ مثلًا، أو على خَلْقٍ مماثِلٍ له.
قلنا: هذا لا تَتَعَلَّقُ به القدرةُ أصْلًا، فالقُدرةُ لا تتعلق بالشيءِ المستَحِيلِ إطْلاقًا، فهو غيرُ داخِلٍ في العمومِ مِنَ الأصلِ، وليس بمخرَجٍ منه.
وهاهنا عبارة يقولها بعضُ الناس: إنه على ما يشاءُ قَدِيرٌ، فما صحة هذا التعبير؟
والجواب: هذا التعبير خطأٌ؛ لأن اللَّه تعالى على كُلِّ شيءٍ قَديرٍ، فهو قادرٌ على ما يشاءُ وما لا يشاءُ، حتى الذي لا يشاؤه قادِرٌ عليه، فلو شَاءَهُ لفَعَلَهُ، ثم إن هذه العبارةَ مخالِفَةٌ لما جاء به القرآنُ في قوله تعالى:{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[المائدة: ١٢٠]، وقوله:{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}[الأحزاب: ٢٧]، ثم إن بعضَ أهلِ العِلم يقولُ: إن هذه العبارةَ تُوحِي بمَذهَبِ المعتَزِلَةِ الذين يقولون بأن الإنسان مسْتَقِلٌّ بعَملِهِ، فقالوا: إذا كان الإنسان مستقلًا بعمَلِهِ فلا دَخْلَ لمشيئةِ اللَّه فيهِ، ومعنى ذلك أن اللَّه عاجِزٌ عن عَمَلِ الإنسان، وهذا خطيرٌ كما هو معروف، فالذي ينْبَغِي