للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من صفاتِهِ، فإذا كانت الآياتُ عظيمةً دلَّتْ على وجودِ الخالِق وعلى قُدرَتِهِ، وإذا ظَهَرَ فيها إحكامٌ وإتِّقانٌ دَلَّت على الحِكمَةِ، وهكذا.

فالآياتُ بعُمومِهَا دالَّةٌ على وُجودِ الخالِق، ثمَّ كُلُّ آيَةٍ منها لها دِلالَةٌ خاصَّةٌ تَدُلُّ على ما تَدُلُّ عليه من هذه الصِّفاتِ الخاصَّةِ، ومثال الآيات الكَونِيَّةِ قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [فصلت: ٣٧] وفي سُورَةِ الرُّومِ عِدَّة آياتٍ ذَكَرها اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.

النوعُ الثَّانِي من الآياتِ: الآياتُ الشَّرْعِيَّةُ، وهي ما جاءتْ بها الشَّرائعُ.

وهاهنا فائِدَةٌ: وهي أن الآياتِ الشَّرْعِيَّةَ يعْجزُ البشَرُ أن يأْتُوا بمِثْلِهَا؛ لأنها كلَّهَا إصلاحٌ ودَرءٌ للمَفاسِدِ، فكُلُّ الشرائعِ جاءتْ بالإصْلاحِ، ولكنَّ الإصلاحَ يكونُ في كُلِّ أُمَّةٍ بحسَبِهَا، فالشِّدَّةُ على اليهودِ منَاسِبَةٌ، والتَّخْفيفُ على النَّصارَى مناسِبٌ، والجمعُ بينهما في هذه الأُمَّةِ غايةُ المناسَبَةِ، وإن كان دِينُ الإِسلامِ يُسْرًا لا حرجَ فيه بالنِّسْبَةِ إلى دِينِ النَّصارَى، دِينُ النَّصارَى فيه أشياءُ كثيرةٌ مسامَحٌ فيها لأن حالهم تُناسِبُ ذلك، ودِينُ اليَهودِ فِيه شِدَّةٌ وأغْلالٌ حَطَّهَا اللَّه عنا بهذا النَّبِيِّ الكريم، فهذِه الشرائعُ كُلُّها آيات تَدُلُّ على كمالِ مَنْ شَرَّعها وسنَّها لعِباد، ولكنَّ النوعَ الأوَّلَ من الآياتِ الإيمانُ بِه صَعبٌ والوصولُ إلى حَقِيقتِهِ سَهْلٌ، لكنَّ الثاني هو الذي يكونُ فيه نوعٍ مِنَ الصُّعوبَة؛ لأنه لا يعرفُ كمالَ الشَّريعَةِ ودِلالَتِهَا على مَنْ شَرَّعها إلا من تَعَمَّق فيها، وعَرَفَ الحُكْمَ والأسرارَ التي تَتَضَمَّنُهَا هذه الأحكام، ولهذا يَنْبَغِي لنَا التَعَمُّقُ في معرفة حِكَمِ التَّشْرِيعِ؛ فكَوْنِي أعْرِفُ أن هذا حلالٌ أو هذا حرامٌ؛ هذا قد يكون سَهلًا، لكن كوني أعرِفُ لماذا حُرِّم أو لماذا حُلِّل هذا هو المهِمُّ جدًا، وهو الذي يَتبَيَّنُ به كونُ الشَّرعِ منْ آيات اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.

<<  <   >  >>