للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {وَلِقَائِهِ} أي: يومُ القيامَةِ، يعني: كذَّبُوا باللِّقَاءِ اللازمِ منه البعثُ؛ لأن البعثَ لازِمٌ من لَوازِمِ اللِّقَاءِ، لا لقاءَ إلا بِبعْثٍ، ولقاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثابتٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ المسلمينَ، قالَ اللَّهُ: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: ٦]، يعني: فأَنْتَ مُلاقِيهِ فجَازِيك على هذا الكَدْحِ إما خَيرًا وإما شَرًّا.

وقوله: {وَلِقَائِهِ} يعْنِي: البَعْثَ؛ لأن المنْكِرينَ للبَعْثِ لا يؤمنونَ بلِقاءِ اللَّه؛ لأنهم يقولونُ -والعياذ باللَّه- إنهم إذا كانُوا عِظامًا ورُفاتًا فلا يمكِنُ أن يُبْعَثُوا خَلقًا جديدًا، فكذَّبوا بهذا.

قوله: {أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي} جَزاءُ هذا التَكذيبِ اليأسُ مِنْ رَحمةِ اللَّه، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أي: جَنَّتِي] فأوَّلها إلى الرَّحمَة المخلوقَةِ لا إلى الرَّحمةِ التي هي صِفَةُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وذلك لأنَّ الرَّحمَةَ المضافةَ إلى اللَّهِ قد يُرادُ بها دَارُ رَحمتِهِ فتكونُ مخلوقَةً، كما في الحديث القُدُسِيِّ أن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قال للجنَّةِ: "أَنْتِ رَحْمَتِي أرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ" (١)، وتُطْلق على الرَّحمة التي وُصِف اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بها، وحينئذٍ تكونُ صفةً مِن صِفاتِ اللَّهِ غيرَ مخلوقَةٍ، ومنه قوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٥٦]، وقوله: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: ٧].

فما المرادُ بالرَّحمةِ في هذه الآية؛ هل المرادُ بها النوعُ الأوَّلُ: الرّحمةُ المخلوقةُ التي هي موضِعُ الرَّحمةِ، أو الرحمةُ التي هي صِفَتُهُ؟

الظاهرُ: أن المرادَ بها الرَّحمةُ التي هي صِفَتُهُ؛ لأنه إذا أُطلِقَتِ الرَّحمةُ مضافَةً إلى اللَّه فالمرادُ بها الصِّفَةُ، فلا نَحمِلُها على أنها موضِعُ الرَّحمةِ إلا إذا وُجِدتْ قَرينَةٌ،


(١) أخرجه البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة (ق)، رقم (٤٥٦٩)، ومسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء, رقم (٢٨٤٦).

<<  <   >  >>