للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك الكَراماتُ التي حَصَلت لبعضِ أولياء اللَّهِ، فإنها تَزِيدُ في إيمانهم وتؤيدُ ما كانوا عليه مِنَ الحق، قال شيخُ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ: "وكَثُرَتِ الكراماتُ في زَمنِ التابِعينَ دونَ الصَّحابَةِ، لأن الصحابة عندِهُم منَ الإيمانِ ما ليس عندَ التَّابِعين، فليسوا في حاجَةٍ إلى كَرامات تُقَوِّي إيمانَهُم كحاجَةِ التَّابِعِينَ"، ذكر هذا في كتاب الفُرقانِ (١)، وهذا حَقٌّ، فإنك إذا تأمَّلْتَ الكراماتِ التي ذُكِرَتْ وجَدْتَها في التابِعين أكثر، والمهِمُّ أن إظهارَ الآياتِ للإنسانِ سواء كانت شَرعِيَّةً أم قَدرِيَّةً: من نِعمةِ اللَّه عليه؛ لأنها تَزيدُ في إيمانِهِ ورُسوخه في القَلبِ.

الفَائِدةُ الرَّابِعة: إثباتُ رؤيةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، لقولِهِ: {وَلِقَائِهِ}، فإنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ استدَلُّوا بذلك على إثبات الرُّؤَيةِ؛ لأن الملاقاة إذا لم يكنْ مانعٌ فلا بُدَّ حينئذ مِنَ الرُّؤية، ولا مانِعَ يمنَعُ.

وهذه المسألةُ فِيها خِلافٌ كثيرٌ بين أهلِ السُّنَّةِ وأهلِ البِدع، والصوابُ الذي دلَّ عليه الكِتابُ والسُّنة إثباتُ رؤيةِ اللَّه تعالى بالعين، وأنه في الآخرة يُرَى، أما في الجنَّةِ فيرَاهُ المؤمنون ولا يَراهُ غيرُهم لأنهم ليسوا فيها، وأما في عَرصاتِ القيامة فالصَّحِيحُ أنه يَراهُ المؤمنونَ ويَرَاه المنافِقُونَ، لكنَّ المنافقين يَرَوْنَهُ رؤيةَ تَنْديمٍ لا رؤية تَنْعِيمٍ، لأن اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يظهر لهذه الأمَّةِ وفيها منافِقُوها فيُكْشَفُ لهم عَنْ سَاقِهِ عَزَّ وَجَلَّ ويأمُرُهم بالسُّجودِ، فمن كان يسْجُد للَّه سَجدَ، ومن كان لا يسْجُدُ إلا رِياءً وسُمْعَةً يَعْجَزُ فلا يسْجُدُ.

فالمؤمنون يَرْونَه رؤيةَ تَكريمٍ، وهؤلاء يَرَونَه رؤيةَ تَنْديم؛ لأنهم إذا حُجِبُوا عنه بعدَ ذلك صارَ أشَدَّ وقْعًا في نُفوسِهِم، مثلُ المنَّافِقِين الذين يُعطَوْنَ نورًا يوم القيامة


(١) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، (ص: ١٦٦).

<<  <   >  >>