وأيضًا فالأئمة المتقدمون كانوا عارفين باللغة سليقةً، فلم يكونوا محتاجين إلى تعلُّم علوم اللغة على ما وضعه علماؤها. وعلى كل حال فالفرقُ كما قدَّمنا اعتباري. [ص ١٧٩] فإن جمعهم لتلك الأصول وبيان دلائلها وإن كانت مزيةً إلّا أنها لا تقتضي كونَ نظرهم في الأحكام أصوبَ من نظر المتأخرين، بل الأمر بالعكس، فإن في جَمْع المتقدمين لها وعنايتهم بها كابرًا عن كابرٍ [ما] يُقرِّب للمجتهد المتأخر المسافةَ، ويَجمعُ له المتشتِّت، فتكون الأدلةُ جميعًا نُصْبَ عينَيْه، وتجتمعُ له معارفُ الأولين جميعًا. وكذلك تعريفُهم تلك الأصول بعباراتٍ استحسنوها لا يَقدحُ في اجتهاد غيرِهم، بل الأمر بالعكس لما ذكرنا.
وأما كونهم كانوا عارفين باللغة سليقةً ففيه نظرٌ، ومع ذلك فالمتأخر يتمكن من بلوغ درجتهم فيما يحتاج إليه الشرع من اللغة، بل ربما كان المتأخر أولى بذلك، فإن المتقدمين لم يكونوا عارفين بلغة العرب كلها على اختلافها، غايتُهم أن يَعرِفوا لغة أهل الأرض التي هم فيها، بخلاف المتأخرين، فإن أئمة اللغة جمعوا لهم سائر فروع اللغة كما هو معروف في كتبهم.
وعلى كلّ حالٍ فهذه فروقٌ لا تُعتبر في الاجتهاد، ولنرجعْ إلى سياق كلام المانعين.
* [ص ١٨٠] قال المانعون: ومع هذا كلِّه فإنكم أقمتم كلامَ أئمتكم مقامَ كلام الله تعالى وكلام رسوله في جعله أصلًا، يُؤخذ بظاهره وإيمائه وإشارته ومفهومه، ويُقاس عليه. وهكذا متأخرو أصحابِه يقيمون كلامَ مَن تقدَّمهم مقام كلام الله تعالى وكلام رسوله وكلام الإمام، وهكذا يتسلسل التقليد