للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا اتخذوا القرآن مهجورًا، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، والتمسوا الهدى في غير كتاب الله تعالى. وليتَهم إذْ فعلوا ذلك تركوا الدليل المخالف لهم من الكتاب والسنة ظِهْريًّا، وجعلوه نسيّا منسيًّا، لكنهم يعودون عليه بالتأويل والتحويل، والتحريف والتبديل، وصَرْفِه عن ظاهره بالوجوه البعيدة حتى يردُّوه عَسْفًا إلى موافقة ما التزموه من الأقوال التي تخالفه، حتى لقد تجيء عن الإمام أو أحدِ أتباعه عبارةٌ ظاهرها الدلالةُ على حكم، ثم نجد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله عبارةٌ ظاهرها الدلالةُ على خلاف ذلك، فيقدِّمون ما ظهر لهم من عبارة الإمام أو أحد أصحابه على ما يظهر من عبارة الكتاب أو السنة، وإن كانت دلالة الآية أو الحديث أظهر وأرجح من دلالة عبارتهم. بل لو اتفق ورود نصٍّ قرآني لا يقبل التأويل أصلًا أو نصّ من السنة المتواترة كذلك ما رفعوا له رأسًا. وبعضهم يجيب عن ذلك بقوةٍ: هذا منسوخ، فإن طُولِب بالناسخ قال: لا أعلمه، ولكن قول إمامي بخلافه يدلُّ على اطّلاعه على ناسخه، حتى لو لم يكن قول إمامه نصًّا في ذلك، بل مما استنبطه بعض أصحابه.

[ص ١٨١] فكأيِّنْ من دليلٍ من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أجلب عليه مقلِّد بخيله ورَجله، وعدا عليه بنَابِه وظُفْرِه، فغادرَه يتشحَّطُ في الدم، ووَدَعَه قائلًا:

[فخرَّ صريعًا] لليدين وللفم (١)


(١) عجز بيت في شعر عدد من الشعراء، منهم جابر بن حُنَي كما في "شرح المفضليات" للأنباري (ص ٤٤١)، وربيعة بن مكدم كما في "الأغاني" (١٦/ ٦٧)، والمكعبر الأسدي كما في "الاقتضاب" (ص ٤٣٩)، وعصام بن المقشعر كما في "معجم الشعراء" للمرزباني (ص ٢٧٠).