للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالجواب: أن قول المفسرين: إن تلك الأمة التي بُعِث فيها أهلُ الكهف كانوا نصارى قولٌ لا دليلَ عليه، وإنما هو مأخوذ عن أهل الكتاب فلا يوثَق به، مع أنّ الله تعالى قد منعنا من سُؤالهم في شأن أهل الكهف بقوله تعالى: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: ٢٢]. وعلى هذا فالجمع بين ما سلّمناه جَدَلًا في دلالة الآية على أن ذلك كان جائزًا في شرع تلك الأمة، وبين الأحاديث الدالّة على كونه كان حرامًا على اليهود والنصارى= أن يقال: إن تلك الأمة كانت قبل موسى عليه السلام، فكان ذلك جائزًا في شرعهم، ثم نُسِخ في شرع موسى وعيسى عليهما السلام، ثم تأكَّد النسخُ في شريعةِ خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم وبارك عليه وعلى آله.

على أن الظاهر أنّ البناء للمساجد على القبور كان حرامًا في جميع الشرائع، ودلالة الآية على جواز تلك الواقعة ممنوع أو محمول على أن «على» للتعليل لا للاستعلاء، فيكون المعنى: لتتخذنّ لأجلهم مسجدًا. فيكون اتخاذ المسجد بعيدًا عنهم، ليكون تذكارًا بتلك الآية، والله أعلم.

[تنبيهات]

الأول: تقدم أن الأولى حمل «على» في الآية على السببيّة وإن كان خلاف الظاهر، جمعًا بين الأدلة، ولو سُلِّم أنها استعلائية لكان المراد الاستعلاء المجازيّ، أي: على مكان يَقْرُب منهم، كما في قوله تعالى: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه: ١٠]، وقول الشاعر (١):


(١) هو الأعشى في «ديوانه» (ص ١٢٠) من قصيدة يمدح بها المحلّق بن خنثم. وصدره:
* تُشبّ لمقرورَين يصطليانها *