كتاب تحقيق الكلام في المسائل الثلاث - ضمن «آثار المعلمي»

القسم الأول من الغيب، والكلام على الرؤيا - الكلام على الكهانة - ج: 4 - ص: 343

«إنما أنا بشر ... » إلخ.

والحاصل أن المَلك قد يتلقَّى الخبرَ من السماء بالصفة المذكورة آنفًا، أو يكون في الأرض فيخبره بعض الملائكة النازلين في السماء، فيذهب فيُلقي خاطرها في قلب المؤمن إلى آخر ما تقدّم.

[١٩٤] والتحديث أضعف من الرؤيا الصادقة، ولذلك استثناها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: «لم يبق من النبوة إلا المبشّرات» (١) ولم يستثنه. وسبب ذلك ــ والله أعلم ــ أن الرؤيا الصادقة قريبة من المشاهدة لما فيها من قوة الإدراك بخلاف التحديث.

ومما يستدلّ به أهل الأرض على بعض الغيب من القسم الأول، ولا يحصِّل إلا الظن الضعيف: الكهانة.

قال الله سبحانه وتعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: ٢٢١ - ٢٢٣].

وقد مرّ حديث مسلم عن ابن عباس، ويفسِّره حديث البخاري (٢) عن أبي هريرة أن نبيَّ الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا قضى الله الأمرَ في السماء ضربت الملائكةُ بأجنحتها خَضَعانًا لقوله كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحقَّ، وهو العليّ الكبير، فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا بعضه فوق

---

(١) أخرجه البخاري (٦٩٩٠) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) (٤٨٠٠). أما حديث مسلم (٢٢٢٩) عن ابن عباس فلم يتقدم فيما وقفنا عليه من الرسالة.