للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُوازي "مسندَ أحمد" كتابٌ مسند في كثرته وحسنِ سياقاته، وقد فاته أحاديث كثيرة جدًّا، بل قيل: إنه لم يقع له جماعة من الصحابة الذين في الصحيحين قريبًا من مئتين".

وإذا كان هذا الإمام أحمد، وهو وارثُ مَن قبله من الأئمة وجامعُ علمِهم وزيادة، وهو أكثر الأئمة روايةً للحديث وأجمعهم، كما يُعلَم من الموازنة بين ما رُوِي عنه وما رُوي عنهم= إذا كان ذلك في حقِّه ففي حقِّ غيره أولى وأحرى. وهذا واضح جدًّا، والله أعلم.

[ص ٣٦] ومع هذا فقد يتنبه الإنسان لدلالةٍ في كتاب الله تعالى أو في السنة الثابتة عزُبَتْ عن من هو أعلم منه، كما رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيثُ ذكَّرتْه المرأةُ بقوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: ٢٠] (١). وابن مسعود حيث ذكَّره أبو موسى بقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا [فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً] فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: ٦] (٢). وفي "زاد المعاد" (٣) في الكلام على حديث فاطمة بنت قيس وقول عمر: "لا نردُّ كتابَ ربنا لقولِ امرأةٍ لعلها نسيتْ ... " إلخ: أن الإمام أحمد كان يتعجب من ذلك


(١) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (١٠٤٢٠) وابن المنذر في "تفسيره" (١٥٥١) عن أبي عبد الرحمن السلمي. وفي الباب روايات أخرى تكلم عليها الألباني في "إرواء الغليل" (٦/ ٣٤٨) وضعفها. وانظر "تفسير ابن كثير" (٣/ ٤٥، ٤٦) و"فتح الباري" (٩/ ٢٠٤) و"الدر المنثور" (٤/ ٢٩٣، ٢٩٤).
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٥، ٣٤٦، ٣٤٧) ومسلم (٣٦٨).
(٣) (٥/ ٤٧٨).