للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ١١٠] المقام الثالث

النداء والطلب

قد تبيّن مما مضى أن المخلوق لا يعلم الغيب ولا يطلعه الله عليه، إلا أن يكون نبيًّا، فيطلعه الله تعالى على بعضٍ من الغيب، لا على جميعه، وذلك في حال حياتهم، فأما بعد وفاتهم فإنهم في الرفيق الأعلى مشغولون بما هو خير وأبقى.

وعُلِم أن المخلوق لا يملك شيئًا من الأشياء إلا ما كان يقدر عليه البشر بما جرت به العادة، وأما غير ذلك فإنما يملك الدعاء به في حال حياته الأولى في الدنيا أو الثانية يوم القيامة؛ وعليه فنداء الغائب:

إن كان باعتقادِ أنه يسمع فهو اعتقاد باطل قطعًا؛ لأن فيه اعتقادًا أنه يعلم الغيب، وهذا تكذيبٌ لكتاب الله تعالى وردّ للسنن الصحيحة.

أو باعتقاد أنه يُبلّغ في كل شيء فكذلك؛ لأنه إن كان نبيًّا فقد يُبلَّغ وقد لا يُبلَّغ، وإن كان غير نبيّ فإنه لا يبلّغ حتى لو كان محدَّثًا، لما مرّ أنه إنما يُقْذَف في خاطره في بعض الأشياء، ولا يحصل له بذلك إلا مجرّد الظن.

أو مع الإيمان بأنه إنما يُبلَّغ في بعض الأشياء، فإن كان نبيًّا فمسلَّم أنه قد يبلَّغ، ولكن ذلك لا يُسوّغ النداء؛ لأن النداء لا يكون إلا لمن يترجّح أنه يسمعه، وإن كان غير نبيّ ففيه تكذيب بكتاب الله تعالى كما مرّ.

وكذا الميت مع البُعْد عن القبر على نحو ما مرّ في الغالب، ويختص هذا بزيادة أنه لم يثبت التبليغ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد موته إلا في الصلاة عليه، وأما مع القُرب من القبر، فكذلك عند من ينفي سماع الموتى، كما دلّ عليه القرآن. ومَن يجوِّز سماعَهم فإنه لا يجوّز نداءهم، وهو عنده