مقدمتهم قومه الذين بُعِث من أنفسهم وبلسانهم، وأنزل عليه الكتاب الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. وأمدَّه مع ذلك بالسنة بيانًا للقرآن وإيضاحًا له، واختار له أصحابًا أُمناء هُدَاةً أبرارًا، حفظ الله بهم كتابه وسنة نبيّه.
فكان هو - صلى الله عليه وآله وسلم - يتلقّى الأحكام عن ربه بواسطة الوحي، فإذا نزلت النازلة وكان عنده وحيٌ سابقٌ من القرآن أو من غيره ظاهرٌ في حكمها قال به، وإلا فإن رأى مجالًا للاجتهاد اجتهد، واجتهاده حقٌّ لعصمته، فإن فُرِض وقوعُ شِبْه خطأٍ منه نُبِّه عليه فورًا، ولا يُقَرُّ إلا على الحق، وإلّا انتظر الوحي.
وأما أصحابه فكانوا في حياته - صلى الله عليه وآله وسلم - يتلقَّون عنه كتاب الله تعالى، ويتعلمون سنته مباشرةً أو بواسطة، فإذا نزلت بأحدهم نازلة فإن كان عنده شيء من القرآن أو السنة ظاهر في الدلالة عليها عمل به، وإلَّا فإن كان حاضرًا سأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مباشرةً أو بواسطة، وإلّا فإن رأى مجالًا للاجتهاد اجتهد، وإلّا توقف، كما يدل عليه قصة معاذ حين أرسله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى اليمن.
وأما الأعراب ونحوهم كأهل اليمن ممن أسلم ولم يصحب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فكانوا يكتفون بمن يصل إليهم من الصحابة يستفتونه عما ينزل بهم، فيذكر لهم الآية من كتاب الله أو الخبر عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما يتعلق بقضيتهم. وكان أحدهم يعمل ويفتي ويقضي بالآية أو الخبر مع بُعدِه عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - واحتمال أنه قد تجدد ما يخالفه، حتى إذا بلغهم ذلك انتقلوا إليه، كما فعل أهل مسجد قباء عندما أُخبِروا بتحوُّل القبلة.
فلما تمَّ نزول القرآن وبيانه من السنة بما يكفي الأمَّة الكفايةَ التامة في جميع ما يَعرِض لها وينزِل بها إلى يوم القيامة آذنَهم الله تعالى بذلك بقوله