رأيت في بعض الكتب (١) بحثًا في فضل العلم والشرف أيهما أعظم، فذكر المؤلف اختلافًا في ذلك، ثم قال ما معناه: إن القائل بأفضلية الشرف قال: لو جُنّ الشريف لم يزل عنه الشرف، ولو جُنّ العالم زال عنه العلم، وفضل الشرف ذاتي، وفضل العلم عَرَضي. وبناءً على ذلك جزم بأفضلية الشرف.
فعجبت من هذا مع قوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: ١٣]. وما يبينها من الأحاديث الكثيرة!
ثم ظهر لي أن المبحوث عنه هو فضل الشرف وفضل العلم مع قطع النظر عن التقوى، فأقول: إن كلًّا من العلم والشرف لا يكون فضلًا إلا مع التقوى، فإذا فُقِدت التقوى عاد وبالًا على صاحبه، كما يدلّ عليه قوله تعالى:{يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ ... } الآية [الأحزاب: ٣٠]، وقوله تعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ... } الآية [الأعراف: ١٧٥]. وحينئذٍ فالخلاف مفروض بين عالم وشريف مستويي الرتبة في التقوى.
إذا تقرّر ذلك فالأفضل منهما هو العلم؛ لأن طلبه نوع من أنواع التقوى، بخلاف النسب، ولأنَّ العلم شرط للتقوى بخلاف النسب، ولأن العلم من الفواضل التي ينفع بها صاحبُها دينَه وإخوانه المسلمين، ولا كذلك النسب، ولأن طلب العلم من عمل الإنسان الذي يستحقّ عليه الثواب بخلاف النسب.
(١) لعله كتاب «ظهور الحقائق في بيان الطرائق» (ص ١١١) لعبد الله بن علوي العطاس. ففيه نحو ما ذكره المؤلف.