للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا أولى من أن يقال: إن الله تعالى أظهره حينئذٍ على ما في السموات وما في الأرض ثم سَتَر ذلك عنه. وأولى من أن يُقال: إن هذا الإظهار كان في آخر عمره صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يلزم عليه عدم الاحتياج إلى الوحي، ولا عدم التكليف بالدعاء، ولا غير ذلك من الأشياء؛ لأن راويه معاذ بن جبل رضي الله عنه خرج إلى اليمن قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكثير.

وسيأتي قريبًا ما يدلّ على أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يُظْهَر على جميع الغيب بعد موته، ومنه حديث «الصحيحين» (١) في ذكر الحوض، وفيه: أنه يقال له صلى الله عليه وآله وسلم: «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».

[*٨] وقد بقي حديثٌ آخر أخرجاه في «الصحيحين» (٢) عن حذيفة قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مَقامًا ما ترك شيئًا يكون في مَقامه ذلك إلى قيام الساعة إلَّا حدَّث به، حَفِظه مَن حَفِظه، ونسيه مَن نسيه، قد عَلِمَه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيتُه، فأراه فأذكره كما يذكر الرجلُ وجهَ الرجلِ إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه».

والجواب عنه: أنَّ المراد ما ترك شيئًا من الأمور العظيمة والفتن الجسيمة، كما يدلُّ عليه حديث أبي داود (٣) عن حذيفة قال: «والله ما أدري،


(١) البخاري (٤٦٢٥)، ومسلم (٢٨٦٠) من حديث ابن عباس، وجاء من حديث أبي هريرة وأنس وابن مسعود رضي الله عنهم في الصحيحين وغيرهما.
(٢) مسلم (٢٨٩١) وليس عند البخاري من حديث حذيفة، وهو عنده بنحوه من حديث عمر (٣١٩٢).
(٣) (٤٢٤٣). وفي إسناده ضعف.