الثاني: أن يكونوا أناسًا من أهل الإسلام، ولكن تلاعَب بهم الشيطان، فصوّر، وزوَّر، وخيَّل، وهوّل؛ فأراهم الحق باطلًا والباطل حقًّا.
الثالث: أن يكونوا من أهل الخير والفضل والصلاح، ولكنهم أرادوا أن يتكلّموا بتلك الكلمات التي ظاهرها كفر وجحود وإلحاد في الدين استدعاءً لتكفير الناس لهم وذمّهم إياهم؛ ليكتسبوا بذلك كسرَ نفوسهم، والأجرَ باعتداءِ الناسِ عليهم. ولهم مثل ذلك حكايات ثابتة في كتبهم؛ كذلك الرجلِ الذي دخل بلادًا، فاعتقد أهلُها فيه، وأجلّوه وعظّموه، فَكِره ذلك، فاختار أن يذهب إلى الحمّام فيأخذ ثياب الناس منه ويخرج بها ليعتقدوا أنه سارق، فيضربوه ويشتموه ويسيئوا الظنَّ به، فكان ذلك.
الرابع: أن يكون لهم في كلامهم مرادات صحيحة، ولكنهم عمَّوها على الناس، فجعلوه من قبيل الإلغاز، كما هو شائع في كلامهم، كقول بعضهم:«إن الله لا يعلم الغيبَ» مستندًا إلى أنه لا غيبَ بالنسبة إلى الله تعالى. وكقول بعضهم:«بذكر الله تزداد الذنوب». [١٢١] يعني بالذّكر التذكُّر، وأن التذكُّر يستلزم النسيان، كأنه أخذه من قول الشاعر (١):
ومَن يحسن الظن بهم يختار هذا الأخير، ولكنه ليس كافيًا في الذبّ عنهم إلا أنه يخفف الأمر.
(١) هو عبد الصمد بن المعذّل في أبيات له. انظر «عيون الأخبار» (٣/ ٢٧)، و «العقد»: (٢/ ٣٠٥). وغير منسوب في عدة مصادر. واختلفت المصادر في مطلعه عما في الأصل.