للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن العمومات الواردة في كتاب الله تعالى: في اتباع الرسول وطاعته المأمور بهما، فإنه يدخل تحت ذلك جميع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جميع الأحكام.

فإن قيل: فما تقول في الحديث الصحيح: "الحلال بيِّنٌ، والحرام بيِّنٌ، وبينهما مشتبهات" (١)؟ فإن ظاهره إثباتُ الواسطة.

قلت: هذه واسطة بين الحلال البيِّن والحرام البيِّن، لا بين الحلال والحرام من حيث هما. والمراد بالحلال هو ما عبَّرنا عنه بالموافق، وبالحرام ما عبَّرنا عنه بالمخالف، والمشتبهات ما تعارضت فيه دليلَا الحلِّ والحرمة، فإنه عند مَن لم يظهر له الترجيح ــ وهم كثير من الناس ــ مشتبه، فأرشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يُعمل فيه ما يقتضي الاحتياط. هذا مع أنه في نفس الأمر إما حلال وإما حرام، فالحديث دليلٌ على عدم الواسطة، فتأمَّلْ.

ومما يكون حكمه مبيّنًا في كتاب الله تعالى بدلالة الالتزام: الوسائل، أي الأمور التي لا تتم الأمور المشروعة إلّا بها، فإنّ لكل وسيلةٍ حكْمَ مقصدِها، فإن تعدَّدت الوسائل وكلٌّ منها يكفي في تحصيل المقصد كان الحكم لواحدةٍ منها لا بعينها، ويكون الدليل الشرعي الدال على حكم [مقصد] (٢) ها [دالًا] على [حكمها] دلالةً مطلقةً [عامّةً] عمومًا بدليًّا، كما إذا قلت لإنسانٍ: اضرِبْ رجلًا، فإنه يحصُلُ امتثال الأمر بضرب أي رجلٍ كان.


(١) أخرجه البخاري (٥٢، ٢٠٥١) ومسلم (١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير.
(٢) الكلمات التي بين المعكوفتين مخرومة في الأصل.