للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجابر بن عبد الله صلَّيا مريضَين قاعدينِ بقومٍ أصحَّاءَ، فأمراهم بالقعود معهما (١)، وذلك أنهما ــ والله أعلم ــ علما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [ص ٤٠] صلَّى جالسًا وصلَّى وراءه قومٌ قيامًا، فأمرهم بالجلوس (٢)، فأخذا به، وكان الحق عليهما. ولا شكَّ أنه قد عزبَ عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى في مرضه الذي مات فيه جالسًا، وأبو بكر إلى جنبه قائمًا (٣) ... إلخ.

أقول: انظر كيف جزمَ الإمام رضي الله عنه بأن هذين الصحابين الجليلين عزبَ عنهما ذلك الأمر المشهود الذي لا يكاد يعزُب عن أحد. وهذا حسْنُ ظنٍّ من الإمام رضي الله عنه، وذلك أن الواجب عليه الأخذ بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولو ثبت عن الصحابة خلافه، ومع ذلك فيُحسِن الظنَّ بالصحابة ما أمكنَ، فإن أمكنَ عدمُ الاطلاع قيل: لعله لم يعلم، وإن لم يمكن قيل: لعله عزبَ عنه. وهذا هو الواجب على كل متأخّرٍ في حقِّ من تقدَّمه.

والعالم في زماننا يجب عليه الأخذ بالحديث وإن خالفه بعض المجتهدين، ومع ذلك يُحسِن الظنَّ والأدب بمثل ما مرَّ. وإذا ساغ للإمام رضي الله عنه أن يُجوِّز أن أكابر الصحابة لم يطلعوا على بعض الأحاديث،


(١) راجع "مصنف عبد الرزاق" (٢/ ٤٦٢) و"مصنف ابن أبي شيبة" (٢/ ٢٢٤، ٢٢٥).
(٢) أخرجه البخاري (٦٨٨، ١١١٣، ١٢٣٦) ومسلم (٤١٢) من حديث عائشة. وفي الباب أحاديث أخرى.
(٣) أخرجه البخاري (٦٨٣) ومسلم (٤١٨) من حديث عائشة.