للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ٤٣] ثم ذكر مسائل أخرى مما وقع فيها الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم، وقال في أثناء كلامه (١): فدلَّ ذلك على أن قائل السلف يقول برأيه ويخالفه غيرُه، ويقول برأيه ولا يُروى عن غيره فيما قال به شيء.

إلى أن قال (٢): وفي هذا دليلٌ على أن بعضهم لا يرى قولَ بعضٍ حجةً تلزمُه إذا رأى خلافها، وأنهم لا يرون اللازمَ إلا الكتاب والسنة.

ثم ذكر كلامًا يُبطِل به إمكانَ العلم بالإجماع الحقيقي، إلى أن قال: قال الشافعي: والعلم من وجهين: اتباع أو استنباط، والاتباع اتباعُ كتابٍ، فإن لم يكنْ فسنَّة، فإن لم يكن فقول عامةِ من سلَفَنا لا نعلم له مخالفًا، فإن لم يكن فقياسٌ على كتاب الله جلَّ وعزّ، فإن لم يكن فقياسٌ على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن لم يكن فقياس على قول عامةِ مَن سلف لا مخالفَ له، ولا يجوز القول إلا بالقياس، وإذا قاس من له القياس فاختلفوا، وسِعَ كلًّا أن يقول بمبلغ اجتهاده، ولم يَسَعْه اتباعُ غيرِه فيما أدَّى إليه اجتهاده بخلافه. والله أعلم اهـ (٣).

وفي ما ذكرناه الدلالةُ التي ليس بعدها أصرحُ منها على كثير مما ذكرناه في هذه الرسالة. ومن تأمَّلَ هذا الفصل من كلام الإمام الشافعي رحمه الله تعالى عرفَ سقوطَ التقليد جملةً إذا ثبتَ الحديثُ، خصوصًا قوله: "ويعلم أن الحديث إذا رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذلك


(١) "الأم" (١٠/ ١١٢).
(٢) المصدر نفسه (١٠/ ١١٣).
(٣) إلى هنا انتهى النقل من كتاب "الأم".