للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: البلد الذي ليس فيه ولا بالقرب منه عالمٌ كذلك، فالواجب على أهل هذا البلد أن يُرسِلوا إلى أقرب عالم كذلك منهم من يستفتيه في الوقائع على ما شرحنا، وينقل إليهم على سبيل الرواية، ويُهَيِّئوا من طلبة العلم مَن يرحل لطلب العلم والسموّ إلى درجة الاجتهاد، فإن ذلك فرض كفاية إجماعًا. قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ١٢٢]، والأدلة في هذا لا تُحصَى. كيف والإمامة والقضاء والفتوى والحسبة وغيرها مشروط فيها الاجتهاد إجماعًا.

وكونُ طلب رتبة الاجتهاد فرضَ كفاية مما لا يخالف فيه مسلم، وما من بلدٍ إلا وفيه كثير من طلبة العلم، فإذا قام أغنياؤه بكفاية نفرٍ من الطلبة وكفاية عائلاتهم وساعدوهم على الرحلة إلى العلماء لطلب العلم، لكانوا قد أدَّوا ما يجب عليهم في هذا. بل لو فُرِض أنه ليس على وجه الأرض مجتهد لما منع ذلك من وجوب طلب رتبة الاجتهاد، وذلك أن العلوم مدوَّنة، والأدلة الشرعية محفوظة مبيَّنة موضَّحة ميسَّرة، وما من علمٍ إلا وثمَّ رجالٌ كثير يُتْقِنونه، غايةُ الأمر أنه يَقلُّ الجامعون للعلوم، وهذا ليس مانعًا، فالطالب يأخذ من هذا علم النحو، ومن هذا علم التصريف، ومن هذا علم البيان، ومن هذا علم أصول الفقه وهلمَّ جرًّا، وإذا هو قد جمع علوم الاجتهاد.

وبما أن هذا غير ممتنع قطعًا على كل تقدير، فإن ما ذكرناه من أنه يجب على أهل كل بلدٍ ترشيحُ نفرٍ من طلبة العلم لطلب علوم الاجتهاد= أمرٌ لا ينبغي أن يخالف فيه أحدٌ.

وأما أعمالهم في عبادتهم اليومية، فإن كانوا مقصِّرين عن الإرسال إلى