وإذا كان هذا في قبره صلى الله عليه وآله وسلم فغيره أولى، فحينئذٍ فجميع ما ذكرتموه من الدعاء عند القبور والاستغاثة بالصالحين والنذر لهم والذبح عند القبور، وتمسّك النساء بهم لأجل الولد، وغير ذلك= كلها محظورة في الشرع كما يعلمه من له مسكة بالكتاب والسنة.
ولا يلزم من كونها محظورة في الشرع أن لا يحصل بها نفع كما لا يلزم من حصول النفع بها كونه مأذونًا بها في الشرع؛ فهذا السحر ينتفع به صاحبه، وهذه الكهانة والتنجيم، واستخدام الجن والرقى التي فيها كفر= كلها تنفع صاحبها، وهو حرام أو كفر. وهذه صفة الدجّال في الأحاديث الصحيحة ينتفع أصحابه بالمطر ورغد العيش وحياة أقربائهم الموتى ــ فيما يرون ــ وغير ذلك، واتّباعُه أشدُّ الكفر.
وإذا كانت الأسباب العادية ــ مع أن الأصل في الشرع إباحتها ــ وفيها الحرام والكفر كالزنا والربا والسرقة ونحوها مما لا يُحْصَى، وأصحابها ينتفعون بها بلا شكّ، فما بالك بالأسباب غير العادية، والأصل في الشرع حظرها؟
والحاصل أن خوارق العادة قد قسمها العلماء إلى أقسام:
أولها: معجزات الأنبياء، وهذه قد مضت بمضيّهم، وبقي بعض معجزات خاتمهم صلى الله عليه وآله وسلم، وأعظمها كتاب الله تعالى.
الثاني: كرامات الأولياء، والعلماء مختلفون فيها، فمن العلماء مَن ينكرها رأسًا، وينسب كل مَن ظهر على يده ما يُشبه الخارقة إلى أحد الأقسام الآتية. [ص ١٠٤] والباقون يثبتونها ويفرّقون بينها وبين الأقسام الآتية بوقوع الكرامة على يد عالم عامل محافظ على ظواهر الكتاب والسنة، متنزّه عن مخالفتهما، هذا في حال حياته، وأما بعد وفاته فإنما تُعرَف بقرائن الأحوال.