بقي كثيرٌ من السنة موجودًا على ظهر الأرض لم يبلغهم، ولم يكن أحدهم يمتنع عن الاجتهاد والفتوى بعلّة أنه لم يجمع السنة، وإنما كان غاية أحدهم أن لا يتصدَّر للاجتهاد والفتوى حتى يصير لديه طائفةٌ كبيرة من السنة تتعلق بأكثر أحكام الدين، وهذه كتبُهم بين أيدينا. نعم، ينبغي له أن يجمع كلَّ ما أمكنَه من كتب السنة، ولاسيَّما مع تيسُّرها في هذه الأزمان، ولله الحمد.
ثم اعلم أن فرض المجتهد هو الاجتهاد في كل ما يَعرِض له، وأما من حاز المرتبتين الأوليين فإنه يجب عليه ــ كما تقدم ــ تحصيلُ الثالثة، وفرضُه قبلَ تحصيلها سؤال المجتهد، فيتلو عليه المجتهد الآية أو يروي له الحديث، ويُخبره أنه قد اجتهد فلم يجد ما يُعارِض ذلك. ويزيد من حاز المرتبة الأولى بدرجتها أن يبيِّن له المجتهد وجهَ الاستدلال في بنائه على بعض الأصول. ويزيد من لم يُحصِّل إلا الدرجة الأولى أن ينبِّهه المجتهد على وجه الدلالة في اللسان العربي. ويزيد من دونَه من عامّي أو أعجمي أن يُفسِّر له المجتهد الآية والحديث بلغته. وإذا تعسَّر في بعض الفروع بيان وجه الاستدلال أو بيان وجه الدلالة في اللسان العربي سقطَ، بخلاف ذكر الآية أو الحديث وتفسيره، فإنه لابدّ منه على كل حال، وكذا إخبار المجتهد بعدم المعارض. والظاهر أنه يكفي فيها دلالة الحال إذا كان المقام مقام فتوى، لأن المجتهد لا يُفتي إلّا بعد أن يَغلب على ظنّه عدمُ المعارض.