ومخطئ فحسبُ. وبهذا ثبت الحديث الصحيح (١) أنه "إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا حكم فأخطأ فله أجرٌ واحد"، وعلى هذا أجمع الصحابة رضي الله عنهم فمَن بعدهم من أئمة الأمة. وبهذا يثبتُ نزاهةُ الشريعة عن التناقض، ويثبتُ نزاهة الأئمة، لأننا لا نقول: إنهم جميعهم مخطئون كما هو قضية قوله، بل ولا نجزم في أحدٍ منهم بعينه أنه مخطئ، وإنما نُرجِّح ما ترجَّح لنا من حيث الدليل. ويثبتُ أيضًا نزاهةُ الصحابة رضي الله عنهم وجميع الأمة عن الإجماع على الخطأ، بخلاف ما يقتضيه قوله. إلى غير ذلك مما هو واضح جلي.
فوازِنْ أيها القارئ بين الميزانين وفَّقك الله تعالى.
قال المقلِّدون: أيها القوم! قد جادلتمونا فأطلتم جدالَنا، وما لنا ولتضييع أعمارنا في نزاعٍ لا ينقطع. هَبُوا أن كلّ ما احتججتم به صحيح، وكلّ ما دافعنا به هَباءٌ تذهب به الريح، ولاسيَّما والطريقة التي أرشدتم إليها قريبةٌ من الصواب أو هي الصواب عينُه. لكن أنتم لا تجهلون أنّ بين زماننا هذا والقرون الثلاثة بَونًا بعيدًا، فقد كان المجتهدون لا يُحصَون كثرةً، وأما في عصرنا هذا فأنتم تعلمون أنه بعد تسليم وجود الاجتهاد فلأفراد يُعدُّون بالأصابع، لو كلَّفتم جميعَ المسلمين قصدَهم من أطراف المعمورة في كل واقعةٍ تعرِضُ لكان هذا تكليفَ ما لا يُطاق. وكيف يصنع الناس بعباداتهم ومعاملاتهم اليومية؟ مع أن كثيرًا ممن يدّعي الاجتهاد ليس عنده من العلم شيء، بل كثيرًا ما تُتَّخذ دعوى الاجتهاد وسيلةً إلى اتباع الشهوات، والاسترسال في الأهواء، واستخدام الأدلة الشرعية في الأغراض النفسية
(١) أخرجه البخاري (٧٣٥٢) ومسلم (١٧١٦) من حديث عمرو بن العاص.