للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

قد بينّا بحمد الله تعالى الأجوبة عما أوردتموه من الأسئلة، وبعدُ، فإنكم لا تجهلون أننا مأمورون بتدبُّر كتاب الله عزَّ وجلَّ، وتعلُّم وتفهُّم سنة رسوله، فإذا وجدنا آية أو حديثًا يدلُّ على حكم من الأحكام، وبَحثنا حتى غلب على ظننا أنه لا معارضَ له، فهل تُسوِّغون لنا الإعراضَ عن ذلك الدليل إلى قول العلماء؟

هَبُوا أنه يَسُوغ ذلك فيما إذا قام الإجماع على خلافِ ذلك الدليل، وهذا إن لم يكن معدومًا فهو أقلُّ قليل، فما تقولون إذا كان الأئمة مختلفين، فبعضهم يقول بمقتضى ذلك الدليل، وبعضهم يقول بخلافه؟ وقد علمتم أن الله تعالى أمر بردِّ ما اختُلِفَ فيه إلى كتابه وسنة رسوله، فهل تُوجِبون علينا اختيارَ قول الإمام الموافق لذلك الدليل، عملًا بأمر الله تعالى لنا ولسائر المسلمين باتباع كتابه وسنة رسوله، وردِّ ما اختُلِف فيه إليها، أم تُسوِّغون لنا اتباعَ القول المخالف لذلك الدليل لمجرد احتمال أن قائله وقفَ على معارضٍ له؟ وقد علمتم أن هذا مجردُ احتمالٍ الأصلُ عدمُه، والأدلة متواترة والأئمة مُجمِعون على أنه لا يسوغُ الاستناد إلى مثله. وقد مرَّ في كلام الإمام الشافعي بيان ذلك، وهو مع ذلك معارَضٌ بأشياء كثيرة:

أولها: احتمال أن يكون ذلك الإمام الذي قال بخلاف ذلك الدليل لم يطلع عليه، أو اطلع عليه وعَزَبَ عنه، أو عَزَبَتْ عنه دلالتُه، ولاسيَّما وقد تقوم قرينة على بعض هذه الاحتمالات، كما سيأتي في مسألة البناء على القبور إن شاء الله.