للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن ذلك أني كنت سنة ٣٥ (١) ببلدتي «عُتمة» بمركزها المعروف بـ «الربوع»، وأنا إذ ذاك أكتب لحاكمها السيّد محمد بن علي الذّاري (٢)، وكان قد أرسل رسولًا إلى الإمام يحيى بن محمد، فأبطأ الرسول. وبينا أنا يومًا جالس أمام القلعة خَطَر لي أن ذلك الرسول الذي ينتظره سيمرّ حينئذٍ من تحت القلعة، فصوّبت نظري إلى تحت القلعة؛ وإذا بذلك الرجل مارًّا من ذلك المكان.

والذي يهمّنا من هذا أن رؤية الإنسيّ للجنيّ وسماعه لكلامه إنما يكون إذا تمثّل الجني بصورةٍ غير صورته الأصلية، قال الله تعالى في إبليس عليه اللعنة: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: ٢٧]، فمشاهدة الإنسي للجني بعد تمثّله بغير صورته ليست من الاطلاع على الغيب، وكذلك سماعه لكلامه، وكذلك الاستفادة من كلامه عن حال بعض الحوادث الأرضية ليس من الاطلاع على الغيب، كما في خبر الإنسي للإنسي.

ومع هذا كله فالجنّ مغرمون بالكذب، ولا يمكن بلوغ خبرهم حدَّ التواتر، فلا يحصل بخبرهم القطع، ولو حصل لم يكن من الاطلاع على الغيب المنفيّ في الآيتين، والله أعلم.

[٢٠٦] ومما يُستدلّ به في هذا النوع: النظر في النجوم والعَرافة والطَّرْق والخطّ والتنويم المغناطيسي، وغير ذلك مما مرّ، وحكمُه ما مرّ في القسم الأول (٣).


(١) أي (١٣٣٥ هـ).
(٢) (ت ١٣٤٤ هـ). ترجمته في «هجر العلم»: (٢/ ٦٦١)، و «نزهة النظر» (ص ٥٦٩).
(٣) (ص ٣٤٣ - ٣٥٧).